إن العرب جيل من الناس، لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام، والفصاحة في المنطق، والذلاقة في اللسان. 1 وهذا فصل عقدناه؛ لإلقاء إشراقة نيرة على كلمة العرب، ومعناها لغةً وإصطلاحًا، ومشتقاتها وأخواتها، ووجه تسمية العرب بها، والفروق المعنوية بين العرب والأعراب مع ما ورد في القرآن المبين من الفرق بينهما.
أصل كلمة العرب عرَبة بالتحريك، وهي في الأصل اسم لبلاد العرب، وجمعها عربات، وإياها عنى الشاعر بقوله:
أما مادة كلمة العرب فهي العين، والراء، والباء، أي: عرب. وهم أمة من الناس سامية الأصل، كان منشؤها شبه جزيرة العرب، وجمعها أعرب، والنسب إليها عربي، يقال: لسان عربي، ولغة عربية. 3 وأما العرب العاربة فهم الخلص منهم، وأخذ من لفظه فأكّد به، كقولك ليل لائل، تقول: عرب عاربة وعرباء: صرحاء. وأما متعربة ومستعربة: فهم دخلاء، ليسوا بخلص، والعربي منسوب إلى العرب، وإن لم يكن بدويا. والأعرابي: البدوي، وهم الأعراب، والعرب لاتجمع على الأعراب؛ 4 فإن الأعراب لا واحد له، ويجمع: أعاريب. 5 والعرب اسم مؤنث؛ ولهذا يوصف بالمؤنث، فيقال: العرب العاربة والعرب العرباء، وهم خلاف العجم، ورجل عربي، ثابت النسب في العرب وإن كان غير فصيح، وأعرب -بالألف- إذا كان فصيحا وإن لم يكن من العرب، وأعربت الشيء وأعربت عنه، وعربته - بالتثقيل - وعربت عنه، كلها بمعنى التبيين والإيضاح. 6
وفي المعجم الوسيط: عرب عروبًا وعروبةً وعرابةً وعروبيةً أي: فصح، ویقال: عرب لسانه أي: أعرب فلان إذا كان فصيحا في العربية وإن لم يكن من العرب، وبين الكلام وأتى به وفق قواعد النحو، وطبق علیه قواعد النحو، وبمراده أفصح به ولم يوارب، وعن حاجته أبان. 7 وكذا يقال: رجل معرب إذا كان فصيحا وإن كان عجمي النسب. 8 كما إذا اعترف العرب بفصاحة وبلاغة رجل أو قوم في المنطق، سموه عربا، وعبروا عن نطقهم بالعربية بــأعرب، ومن ثم أطلق العربي على كل من ينطق بالعربية الفصحى كلامًا فصيحًا بليغًا.
وفي المنجد: عرب عروبةً وعروبيةً وعرابةً وعرباً وعروباً أي: تكلم بالعربية ولم يلحن، كان عربيًا فصيحًا. وعَرِبَ عرباً الرجل أي: فصح بعد لكنة في لسانه. وعرَّب المنطق أي: هذبه من اللحن، ورجل عربان فصيح اللسان، ورجل عرباني اللسان فصيح. 9 وذكر بعض أهل اللغة أن أصل كلمة العرب الإعراب، والإعراب بمعنى النطق والإفصاح عما في القلب، ولما كان العرب معروفين بفصاحة اللغة والبيان سموا أنفسهم عربًا، وسموا غيرهم عجما. 10 فتطلق كلمة العرب في اللغة على الصحاري والقفار، والأرض المجدبة التي لا ماء فيها ولا كلأ، وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، كما أطلق على قوم قطنوا تلك الأرض، واتخذوها موطناً لهم. 11
والأصل أن جميع اللغات السامية تستعمل كلمة "العربة" بمعنى الصحراء والبادية، ففي اللغة العبرية تستعمل عربا بمعنى الصحراء والساحة، واللغة العربية كذلك لا تزال فيها بقية من هذا المعنى القديم، فالعرابة معناها البداوة، والأعراب بمعنى البدو الساكنين في الصحارى مستعمل إلى الآن. 12 وهناك آثار تاريخية تدل على أن أول ما استعملت كلمة العرب كان قبل الميلاد بألف سنة في عهد سليمان عليه السلام، وبعد ذلك عم استعمالها في التواريخ العبرية واليونانية والرومية. 13 وقيل: إن العرب هم ولد إسماعيل عليه السلام وأحفاده، والأعراب جمعه في الأصل، وصار ذلك اسما لسكان البادية. 14
واليوم نطلق لفظة العرب على سكان بلاد واسعة، يكتبون ويؤلفون وينشرون ويخاطبون بالإذاعة والتلفزيون بلغة واحدة، نقول لها: لغة العرب، أو لغة الضاد، أو لغة القرآن الكريم، ونحن إذ نطلق لفظة "عرب" و"العرب" على سكان البلاد العربية؛ فإنما نطلقها إطلاقا عاما على البدو وعلى الحضر، لا نفرق بين طائفة من الطائفتين، ولا بين بلد وبلد. 15
تستعمل كلمة العرب مع سائر مشتقاتها بمعنى التكلم باللغة العربية، والتثقف بثقافة العرب، والتشبه بهم أو مع أجدادهم في الصفات أو العادات أو الإقامة بالبادية وغير ذلك. ذكر في المعجم الوسيط: تعرب أي: تشبه بالعرب وأقام بالبادية وصار أعرابيا، وكان يقال: تعرب فلان بعد الهجرة. 16 وتشترك في هذا المفهوم من المشتقات، العرب والمتعربة والمستعربة. 17 وقد وردت مشتقاتها في المعجم الوسيط على النحو التالي.
ذكر ابن المظفّر في العرب العاربة: الصریح منهم. 19 وفي مختار الصحاح: أن العرب جيل من الناس، والنسبة إليهم عربي، وهم أهل الأمصار. 20 وأما الأعراب فهم سكان البادية، والواحد منهم أعرابي، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، الجاهل من العرب، والأعرابية: حالة الأعرابي كالبداوة. 21
تبين أن كلمة العرب تشمل أكثر المعاني وأوسع المفاهيم، وتحوي في ذاتها الشمول والعموم من حيث المعنى والمفهوم، ونظراً إلى ذلك سمّي جيل ينطق بأقدم اللغات زماناً وأوسعها لفظاً وأكثرها معنىً بالعرب؛ إشعاراً بأنهم أعلى وأسمى من العجم، وأطلق على لسانهم العربية؛ لما فيه من كثرة الألفاظ، ولكل لفظ عدة معاني ومفاهيم، ويمكننا أن نلخص معنى العرب بأنهم "جيل من الناس، هم الأفصح في اللسان، والأبلغ في البيان، مقيمون في صحاري ووديان شبه الجزيرة العربية شمالا وجنوبا".
اختلف الجغرافيون والنسابون واللغويون والعلماء الباحثون في سبب تسمية أهل الجزيرة بـ"العرب". فقال علماء الجغرافيا: إن العرب سُموا عربا؛ لسكنهم قديمًا في المكان المسمى بالعرب.
ورأى أصحاب الأنساب أنهم سُموا العرب؛ لنسبتهم إلى يعرب بن قحطان، وذكر الطيب النجار أنهم سموا عربًا؛ نسبةً إلى يعرب بن قحطان، جد العرب العاربة، فإنه أول من نطق باللغة العربية الفصحى، وأخذها عنه أهل اليمن. 22
وزعم علماء اللغة أنهم سُموا عربًا؛ لكون جدهم أول من نطق بالعربية. جاء في تهذيب اللغة: اختلف الناس في العرب، أنهم لم سُموا عربا؟ فقال بعضهم: أول من أنطق اللّٰه لسانه بلغة العرب يعرب بن قحطان، وهو أبو اليمن، وهم العرب العاربة. 23
وذهب العلماء الباحثون إلى أنهم سموا عربًا؛ لأنهم لم يزالوا موسومين بين الأمم بالبيان في الكلام، والفصاحة في المنطق، والذلاقة في اللسان. 24 ومن العلماء الباحثين من ذهب إلى أن أصل كلمة العرب هو "عربة"، وهي كلمة سامية الأصل، تطلق على الصحاري القاحلة والفلوات النائية، ومعلوم أن معظم الجزيرة العربية متألفة من الصحاري الفارغة والبراري الرملية الشاسعة، فسمي جميع من حلوا بالجزيرة العربية وسكنوها بالعرب في العرف العام.
تتكون الجزيرة العربية من مدنٍ وقرًى شتى، وبها أمصار وأقطار، وشعوب متفرقة وقبائل متعددة، وجميع سكانها عرب، فهل العرب هم الأعراب أو غيرهم؟ فرأى بعض العلماء والمحققين أن كلتا الكلمتين -العرب والأعراب- مترادفتان ومتحدتان في المعنى، وهذا ما يشير إلى أن العرب هم الأعراب.
ومنهم من ذهب إلى أن كلمة العرب تطلق على أهل الأمصار فقط، ولو أطلقت على أهل المصر وأهل البادية كليهما إطلاقا عرفيا، كما تطلق على أهل البادية كلمة الأعراب في اللغة. قال الجوهري: العرب: جيل من الناس، والنسبة إليهم عربيّ بيِّن العروبة، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم سكان البادية خاصّة. 25 وبناءً على ذلك قال فريق من المؤرخين: إن الأعراب قسم من العرب.
وقال جماعة من اللغويين: العرب سكان المدن والقرى، والأعراب سكان البادية من هذا الجيل أو مواليهم، فعلى هذا القول هما متباينان، ويفرق بين الجمع والواحد بالياء فيهما، فيقال للواحد: عربي وأعرابي. 26 يقول ابن منظور الإفريقي: رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتا وإن لم يكن فصيحا، وجمعه العرب. كما يقال: رجل مجوسي ويهودي، والجمع بحذف ياء النسبة كاليهود والمجوس. 27 أما الأعراب فصيغة جمع، وليست بجمع للعرب على ما روي عن سيبويه؛ لئلا يلزم كون الجمع أخص من الواحد؛ فإن العرب هذا الجيل المعروف مطلقا، والأعراب سكان البادية منهم، ولذا نسب إلى الأعراب على لفظه فقيل: أعرابي. 28
وهذا ما أيده اللغويون. فحكي عن الجوهري: العرب جيل من الناس، وهم أهل الامصار، والأعراب سكان البادية، والنسبة إلى العرب عربي، وإلى الأعراب أعرابي، والذي عليه العرف العام إطلاق لفظة العرب مشتقة من الأعراب، وهو البيان؛ أخذاً من قولهم: أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان. 29 وفي المعجم الوسيط: أن الأعراب من العرب سكان البادية خاصة، يتتبعون مساقط الغيث ومنابت الكلأ، الواحد أعرابي. 30 ومن اللغويين الذين أيّدوه وأوردوا قوله في كتبهم الجوهري في الصحاح. 31 وزين الدين الرازي في مختار الصحاح. 32 ولويس معلوف في المنجد. 33
إذن يراد بالعربي رجل من العرب، والعربي واحد العرب. 34 فمن نزل البادية، أو جاور البادين وظعن بظعنهم، وانتوى بانتوائهم: فهم أعراب. ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب: فهم عرب، وإن لم يكونوا فصحاء. 35 فالأعراب كانوا يعيشون عيشًا قرويًا بدويًا على عكس العرب الذين يعيشون في الحضارة والتمدن والثقافة، فالأعراب هم أهل البادية، والعرب هم أهل المدن والأمصار.
وردت كلمة "الأعراب" في القرآن الكريم بمعنى أهل البادية. فقد قال اللّٰه تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 14 36 وكذلك وصف اللّٰه تبارك وتعالى أحوال الأعراب مع ذكر تقسيمهم إلى ثلاثة أصناف في الاعتقاد والإيمان، وأخبر أن منهم كفارًا أشداء، ومنهم السعداء الذين آمنوا باللّٰه ورسوله صلى اللّٰه عليه وسلم، ومنهم من اتصف بنفاق خالص، فقال عزّ وجلّ: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 9937
فوردت كلمة الأعراب في الآيتين الكريمتين بمعناها الأصلي، وهو أهل البادية وسكان الصحارى.
ملخص ما مرّ آنفا من التعريفات والأقوال أن العرب والأعراب هم السكان الحقيقيون لشبه الجزيرة العربية، تربطهم لغتهم وعروبتهم كما يربطهم الأصل والجنس، سواء كانت إقامتهم في مدينة من المدن أو قرية من القرى؛ لكن ثمة غموض لا بد من كشفه وهو أن العرب -من حيث القوم- من هم؟ حتى نعيّن حسبهم ونسبهم، ونعرف كيفية رباط القبائل بعضها ببعض، وكيفية عصبية عروبتهم، ونفهم الأوصاف والعادات التي يشتركون فيها، وكذا التي يختلفون فيها بطريقة بسيطة سهلة، ففي هذا الإطار ينبغي أن نوضح مصطلحين للوصول إلى معرفة أصل البداوة والحضارة والفرق بينهما أطوارًا وأدوارًا، وهما:
1- أهل الوبر 2-أهل المدر
وقبل ذلك لا بد من معرفة معنى الوبر والمدر لغةً واصطلاحًا؛ لأن معرفتهما توصلنا إلى فهم الطبائع العربية بالجملة، وتوصلنا إلى معرفة الأوصاف والعادات والأطوار الحضارية والقروية المختلفة المتفاوتة.
الوبر للبعير كالصوف للغنم، وهو في الأصل مصدر من باب تَعِب، وبعيرٌ وبِرٌ بالكسر: كثير الوبر، وناقة وبرة، والجمع أوبار، مثل سبب وأسباب. 38 وضّحه الفيروزآبادي بأن الوبر - محركة - صوف الإبل والأرانب ونحوها. 39 وذكر اللغويون معنى أهل الوبر كما ذكروا الوبر لغةً، ففي معجم اللغة العربية المعاصرة: أن أهل الوبر: أهل البادية أو البدو؛ لأنهم يتخذون بيوتهم من الوبر. 40 وقيل في معجم لغة الفقهاء: أهل الوبر: أهل البوادي الذين يسكنون الخيام. 41
الحاصل أن الوبر يطلق لغةً على الصوف الذي يكون للإبل والأرنب والحيوانات ذات الشعر الغزير الكث. ويمكننا أن نقول بعد معرفة معنى الوبر: إن أهل الوبر هم أهل البادية الذين يعيشون في خيام مصنوعة من الصوف والجلود، لذلك تعتمد حياتهم في الأغلب على الأنعام وما يحصل منها، فملبسهم صوفها وفروتها وأشعارها، ومطعمهم ومشربهم لحومها وحليبها، ومتجرهم نفوسها وأشعارها وأوبارها، لا يعرفون التجارة والزراعة، بل بينهم وبينهما بون شاسع وبُعد واسع.
أما المدر فهو جمع مدرة، وهي البنية. 42 والعرب تسمي القرية مدرة. ومدر: قرية باليمن، ومنه فلان المدري. والمدرية: رماح كانت تركب فيها القرون المحددة مكان الأسنة. 43 يحكي أبو منصور الأزهري في هذا الصدد عن شمر: أن العرب تسمي القرية المبنية بالطين واللبن المدرة، وكذلك المدينة الضخمة يقال لها المدرة. 44 وقال الفیروزآبادي: المَدَر محركة: قطع الطين اليابس، أو العلك الذي لا رمل فيه، واحدته: بهاء، والمدن، والحضر، وضخم البطن. ومدرتك: بلدتك، أو قريتك، وبنو مدراء: أهل الحضر. 45 وذكر الخليل الفراهيدي معنى آخر للمدر: وهو تطيينك وجه الحوض بالطين؛ لئلا ينشف الماء. 46 وفي المعجم الوسيط: أن أهل المدر سكان البيوت المبنية، خلاف البدو سكان الخيام. 47 وفي معجم لغة الفقهاء: أهل المدر سكان المدن والقرى. 48
كما ورد ذكر المدر والوبر في الحديث النبوي -على صاحبه آلاف التحيات والتسليمات- أيضًا، (( أحب إلي من أهل الوبر والمدر )). 49 أي: أهل البوادي والمدن والقرى، وهو من وبر الإبل؛ لأن بيوتهم يتخذونها منه، والمدر جمع مدرة، وهي البنية. 50
فنجد مادة مشتركة بين جميع هذه المعاني السابقة، ألا وهو تبليط الحائط بالطين والآجر، ولما علمنا مادة مشتركة بينها فلا يصعب فهم ما أراد العرب بأهل المدر، على أنهم المقيمون في الدور المبنية المبلطة بالآجر والأحجار، وفي القصور الشامخة المبلطة بالرخام الأبيض، حرفتهم وصنعتهم التجارة والزراعة، يؤثرون الاستقرار والبقاء في مكان واحد خلاف أهل الوبر؛ فإنهم ينتقلون من مكان إلى مكان.
كما أن هذه الدراسة تكشف القناع عن حقيقة أن العرب وإن كانوا في الأصل ساميين؛ لكن الأمر الذي يرونه مستحقًا للاهتمام الكبير، ويفضلونه على الحسب والنسب هو لغتهم العربية وفصاحتها وبلاغتها، والقدرة الفائقة على طلاقة اللسان وطلاوة الكلام بها، ولا شك أن الإقامة في شبه الجزيرة العربية وصف مرغوب لمن يعزو نفسه إلى العرب، بالإضافة إلى التكلم باللغة العربية الفصحى، ومن الأوصاف المرغوبة في ذلك: التثقف بثقافتهم وحضارتهم، والاصطباغ بصبغة عاداتهم وأطوارهم وآدابهم، والاتصاف بصفاتهم الحميدة وخصالهم الجميلة، والتكافئ في الحسب والنسب؛ لكن مع ذلك لو لم يكن الرجل من العرب لأدخلته في زمرتهم إقامته بقطعة من أرضهم مع إفصاحه عما في قلبه من أحاسيس ومشاعر باللغة العربية الفصحى. وأما صفاته الأخرى ومن جملتها العجمة فلا تعتني بها العرب ولا تلتفت إليها لفتة، فإنهم كانوا يتفاخرون بفصاحتهم، وخاصةً بنشر أفكارهم من خلال أشعارهم، لذلك كانوا يطلقون على غير العربي "عجميًا"، فلم تكن هناك أية لغة تتفوق على لغتهم في الفصاحة والبلاغة، ولا أهل لسان يتفوقون عليهم في القدرة الكلامية والطلاقة اللسانية والمهارة الشعرية والبراعة النثرية، فلم يركن أحد من العرب في قديم الزمان وسالف الأيام إلى لغة ولا إلى ثقافة عجمية غير عربية، ثم منح اللّٰه عز وجل لغتهم الاستمرار والدوام بعد فجر الإسلام؛ بتنزيل القرآن وببعثة نبي آخر الزمان عليه الصلاة والسلام، وما زالت العرب بعد أن اعتنقوا الإسلام أصحاب الشرف والكرامة مع ميزتهم الوحيدة الفريدة في صورة لغتهم وحضارتهم العربية.