Encyclopedia of Muhammad

غزوة الأبواء

لما هاجر النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إلى المدينة المنورة فقام بخطوات ومبادرات إيجابية، وضمن ذلك اتخذ بعض إجراءات أمنية وتحركات حربية كما قام المسلمون بدوريات استطلاعية للاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمسالك المؤدية إلى مكة، واختبار مدى قوة القبائل المحيطة بالمنطقة، ومحاولة كسب بعضها بالمحالفة أو الموادعة -على الأقل- كما كان الهدف منها أيضًا إشعار المشركين واليهود بقوة المسلمين على صد، أي اعتداء يتعرضون له. 1 فخرج النبي صلى اللّٰه عليه وسلم في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مقدمة المدينة، يريد قريشا، في ستين رجلا، وحمل اللواء حمزة بن عبد المطلب رضي اللّٰه عنه. 2

الأبواء

الأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا. وقيل: الأبواء جبل على يمين آرة، ويمين الطريق للمصعد إلى مكة من المدينة، وهناك بلد ينسب إلى هذا الجبل 3. وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى اللّٰه عليه وسلم. 4 وانتماءً إلى هذا الموضع سميت هذه الغزوة بغزوة الأبواء كما تسمى بغزوة ودّان؛ لأن الأبواء وودّان مكانان متقاربان بينهما ستة أميال أو ثمانية. 5

أسبابها

إن الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم ما دام في مكة المكرمة كان مأمورا بالتبليغ والإنذار بلا قتال، فآذاه المشركون بضروب من الآذاء، بأقوالهم وأفعالهم، حتى أوذي من آمن به واتبعه، فصبروا على كل ذلك ثلاثة عشر عاما، فلم يكن لهم إلا الصبر حتى أن الصحابة رضي اللّٰه عنهم كلما يأتون إليه من بين مضروب ومشجوج، يقول لهم: (( اصبروا، فإني لم أومر بالقتال )) . 6 فلم يؤذن للرسول صلى اللّٰه عليه وسلم بالقتال إلى أن هاجر هو وأصحابه إلى المدينة المنورة، فجعل رؤساء الكفار يرسلون إلى ابن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان من الأوس والخزرج تهديدا لهم، حيث كتبوا إليهم قبل وقعة البدر ورسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يومئذ بالمدينة: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم باللّٰه لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم. 7 فأنزل اللّٰه تعالى تسليةً لقلب النبي صلى اللّٰه عليه وسلم والمؤمنين: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 186 8

فلما استقر أمر النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بعد الهجرة وكثرت أتباعه، وشأنهم أن يقدموا محبته على محبة آبائهم وأبنائهم وأزواجهم، وأصرّ المشركون على الكفر والتكذيب أذن اللّٰه تعالى لنبيه صلى اللّٰه عليه وسلم لأصحابه في القتال. 9 فأنزل اللّٰه سبحانه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ 39 10 فقام النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بعد إذن القتال بإعداد قوة حربية وعمليات عسكرية ضد الكفار فبعث عدة سرايا إلى شتى النواحي والأطراف، فضرب الحصار الاقتصادي على قريش، والهدف من ذلك التأثير المادي والمعنوي عليهم؛ ليعيدوا النظر في موقفهم من المسلمين. 11وإشعار المشركين ويهود والمنافقين بقوة المسلمين؛ لكي يتركوا أحرارا في نشر دعوتهم والدفاع عن عقيدتهم ضد المعتدين. 12 فكان أول بعوث النبي صلى اللّٰه عليه وسلم على رأس سبعة أشهر فى رمضان، وقيل: فى ربيع الأول سنة اثنتين. بعث عمه حمزة، وأمّره على ثلاثين رجلا من المهاجرين. 13

خروج الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم إلى الأبواء

خرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى الأبواء في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مهاجره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان لواء أبيض، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين ليس فيهم أنصاري، حتى بلغ الأبواء يعترض لعير قريش. 14 لكن المسلمين لم يصطدموا بقريش، بل لاقت بني ضمرة وعلى رأسهم مخشي بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة، فوادعه الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم على ألا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعا، ولا يعينوا عدوا، وكتب بذلك بينه وبينهم كتابا. 15 ونص هذا الكتاب هو: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللّٰه لبني ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأن لهم النصرة على من رامهم إلا أن يحاربوا في دين اللّٰه ما بل بحر صوفة، وأن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إذا دعاهم لنصره أجابوه، عليهم بذلك ذمة اللّٰه وذمة رسوله، ولهم النصر على من بر منهم واتقى. 16 ثم انصرف النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إلى المدينة، وقد غاب عنها خمس عشرة ليلة. 17

النتائج

قد انصرف النبي صلى اللّٰه عليه وسلم عن الأبواء دون أن يلقى حربا، لكنه نجح في الهدف المقصود من هذه الغزوة، ألا وهو أن مشركي مكة فهموا منها أن حياتهم الاقتصادية وطرقهم التجارية لم تبق آمنة مثلما كانت قبل ذلك، كما رأى حلفاؤهم من اليهود والمنافقين قوة المسلمين الحربية، فخاف أعداء الإسلام في مكة والمدينة، وامتلأت قلوبهم رعبا من المسلمين، وفي ذلك نفع للمسلمين.

 


  • 1 محمد بن أحمد باشميل، من معارك الإسلام الفاصلة، ج-1، مطبوعة: المكتبة السلفية، القاهرة، مصر، 1988م، ص: 112
  • 2 أبو عبد اللّٰه محمد بن عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 230
  • 3 تقع الأبواء في الخريطة الحالية على مسافة 222 كلومترًا من المدينة، وتبعد من مكة 254 كلومترًا تقريبّا.
  • 4 أبو عبد اللّٰه ياقوت بن عبد اللّٰه الحموي، معجم البلدان، ج-1، مطبوعة: دار صادر، بيروت، لبنان، 1995م، ص: 79
  • 5 أبو عبد اللّٰه محمد بن عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 230
  • 6 أبو العباس أحمد بن محمد القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 170
  • 7 أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، حديث: 3004، مطبوعة: دار السلام، الرياض، السعودية، 2009م، ص: 613
  • 8 القرآن، سورة آل عمران 3: 186
  • 9 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 170
  • 10 القرآن، سورة الحج 22: 39
  • 11 محمود شيت خطاب، الرسول القائد، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1422هـ، ص: 165
  • 12 أيضًا، ص: 85
  • 13 أبو العباس أحمد بن محمد القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 171
  • 14 أبو عبد اللّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الکبری، ج-2، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 1990م، ص: 5
  • 15 محمود شيت خطاب، الرسول القائد، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1422هـ، ص: 89
  • 16 أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج-4، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 14
  • 17 أحمد بن يحى البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج-1، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1996م، ص: 287