Encyclopedia of Muhammad

أم المؤمنين أم حبيبة رضي اللّٰه عنها

Published on: 30-Jul-2025

أم المؤمنين أم حبيبة رضي اللّٰه عنها كانت من الأزواج المطهرات، اسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. 1 وقيل: اسمها هند. 2 والمشهور رملة، وهو الصحيح عند جمهور أهل العلم والنسب والسير والحديث والخبر. 3 وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية بن عبد شمس عمة عثمان بن عفان. 4 ولدت قبل بعثة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بسبعة عشر عاما. 5 كانت أخت معاوية بن أبي سفيان رضي اللّٰه عنهما. 6

لمحات من حياتها قبل زواجها بالنبي صلى اللّٰه عليه وسلم

قبل أن تزوجها الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم كانت ‌عند ‌عبيد ‌اللّٰه ‌بن ‌جحش ‌بن ‌رئاب، أحد بني أسد، أخي عبد اللّٰه بن جحش، كان تزوجها وهي بكر. 7 وزوجها عبيد اللّٰه كان أقام على ما هو عليه من الالتباس في بداية أمر الإسلام حتى أسلم، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة، ومعه امرأته ‌أم ‌حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة. 8 فكانت معه حتى ولدت له هناك جارية سمتها حبيبة، فاشتهرت بأم حبيبة. 9 ثم تنصر زوجها، وأقامت أم حبيبة على الإسلام، وكان زوجها يقول: فقحنا وصأصأتم، أي أبصرنا ولم تبصروا. روي عن أم حبيبة أنها رأت في المنام كأن عبيد اللّٰه زوجها بأسوأ حال وأرثها، فلما أصبحت، أعلمها أنه قد تنصر وارتد، فثبتت على الإسلام. وأكب على الخمر، فلم يزل يشربها حتى مات. يقال: إن موته كان غرقا من الخمر. ويقال: بل غرق في البحر. 10 وفي رواية: قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد اللّٰه بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه ففزعت. فقلت: تغيرت واللّٰه حاله. فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين، فلم أر دينا خيرا من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، ثم قد رجعت إلى النصرانية. فقلت: واللّٰه ‌ما ‌خير ‌لك. وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات. 11

هذه هي اللحظات الصعبة التي عاشت فيها أم حبيبة، وسقطت فيها على قلبها جبال الهموم والغموم، بسبب قرار خاطئ اتخذه زوجها، وبقيت في حيرة من أمر زوجها، لماذا ترك الإسلام واعتنق النصرانية بعد تحمله مثل هذه المشاق والمصاعب؟ بينما كان بإمكانه أن يتنصر في مكة بسهولة دون أي تعرض له من جانب المشركين. والأمر الثاني أن أم حبيبة رضي اللّٰه عنها لم تقبل أن أن تبقى مع إنسان كافر، أو تجالسه أو تحادثه، فكان لا بد من الفراق والانفصال عن هذا الزوج الذي ارتد عن دينه، لكنه أكب على الخمر حتى مات، فاعتكفت أم حبيبة رضي اللّٰه عنها في منزلها لا تستقبل أحدا، ولا تقوم بزيارة أحد؛ إذ هي لا تستطيع الرجوع إلى مكة؛ إذ لا يزال أبوها أبو سفيان أحد رؤوس الكفر، حيث لا يتركها لو رجعت حتى ترتد عن الإسلام، ومن الصعب أن ترتحل إلى المدينة المنورة فتعيش عالة على أخت زوجها، وهي أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي اللّٰه عنه، فتوكلت على اللّٰه، وسلمت أمرها له، وبقيت في الحبشة. 12

زواجها بالنبي صلى اللّٰه عليه وسلم

روي أن أم حبيبة رضي اللّٰه عنها بعد أن مات زوجها عبيد اللّٰه، أري في النوم كأن آتيا يقول: يا أم المؤمنين. ففزعت، فأولتها أن رسول اللّٰه يتزوجني. 13 وسرعان ما تحققت رؤياها، حيث بعث رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ‌عمرو ‌بن ‌أمية الضمري إلى النجاشي، ليزوج أم حبيبة ابنة أبي سفيان النبي صلى اللّٰه عليه وسلم. 14 فوصل عمرو بن أمية إلى الحبشة واتجه إلى النجاشي وطلب منه ما أمره النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فوافق النجاشي، بل كان تفويض أمر تزويجه صلى اللّٰه عليه وسلم بها شرفا عظيما له، والسر في ذلك أن تستحكم العلاقات بين المسلمين وأهل الحبشة في أسرع وقت وأفضل شكل.

تقول أم حبيبة رضي اللّٰه عنها: فلما انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له، يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت علي، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه. فقالت: بشرك اللّٰه بخير. قالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك. فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها؛ سرورا بما بشرتها. 15

فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي، وقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا اللّٰه، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم، أما بعد! فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وقد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد! أجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك اللّٰه لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا؛ فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام وأكلوا ثم تفرقوا. 16 قالت: فلما كان الغد جاءتني أبرهة بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فكان يراه علي وعندي فلا ينكره. 17

ثم مرت أعوام، وبقيت أم حبيبة فيمن كانوا من أصحاب النبي صلى اللّٰه عليه وسلم في الحبشة، فبعث إليه النبي صلى اللّٰه عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري، فحمل النجاشي معه من المسلمين في سفينتين، وكانت فيهم أم حبيبة رضي اللّٰه عنها أيضا. 18 فقدموا إلى المدينة المنورة والنبي صلى اللّٰه عليه وسلم بخيبر، فتكرمت أم حبيبة بمكانة عالية ومنزلة رفيعة في قلوب المؤمنين؛ لما كان عدادها في الأزواج الطاهرات، وبنى لها النبي صلى اللّٰه عليه وسلم حجرة خاصة، وعاشت فيها هي وابنتها حبيبة.

رواة الأحاديث عنها

أخذت أم حبيبة رضي اللّٰه عنها تحفظ الآيات من كتاب اللّٰه وأحاديث رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فهي رابع أمهات المؤمنين بالرواية بعد عائشة، وأم سلمة، وميمونة رضي اللّٰه عنهن، فروت عنها بنتها حبيبة، وأخواها معاوية وعتبة، وابن أخيها عبد اللّٰه بن عتبة بن أبي سفيان، وأبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس الثقفي، وهو ابن أختها، ومولياها سالم بن سوال وأبو الجراح، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أم سلمة، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وآخرون. 19

قدوم أبيها إلى حجرتها

عندما نقضت قريش مكة صلح الحديبية وغدروا بالنبي صلى اللّٰه عليه وسلم وبالمسلمين ، خافوا عواقب النقض الوخيمة ونتائجه الخطيرة، فأرسلوا أبا سفيان إلى المدينة المنورة ليقنع ويرضى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بالتفاوض معه، لكن خاب وخسر، ولم يستطع إقناعه، فاتجه إلى ابنته أم حبيبة مستشفعا بها، ويلقاها بعد خمسة عشر عاما، فدخل عليها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم طوته، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أو رغبت به عني؟ فقالت: هو فراش رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ‌وأنت ‌مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه. فقال: يا بنية، واللّٰه، لقد أصابك بعدي شر! ثم خرج من عندها. 20 وفي هذا اللقاء والمحادثة أوضح دليل على أن قلبها رضي اللّٰه عنها قد ملأ بالحب الصميم للنبي صلى اللّٰه عليه وسلم، وقد أثرت هذه الحادثة أثرا بالغا في قلب أبي سفيان؛ لما رأى بعينيه تعظيما وتوقيرا للنبي صلى اللّٰه عليه وسلم في قلوب المسلمين، وعلى الأخص في قلب ابنته، وأخيرا أنه آمن بالنبي صلى اللّٰه عليه وسلم عند فتح مكة.

وفاتها

روي عن عائشة رضي اللّٰه عنها أنها قالت: دعتني أم حبيبة عند وفاتها، فقالت: إنه قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر اللّٰه لي ولك. فقلت: غفر اللّٰه ذلك كله، وتجاوز عنه، وحللك منه. فقالت: سررتينى، سرك اللّٰه. وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك. 21 ثم توفيت أم حبيبة، وكان ذلك سنة أربع وأربعين. 22 أيام معاوية بن أبي سفيان. 23 ماتت بالمدينة المنورة، ودفنت بالبقيع مع الأزواج المطهرات. 24


  • 1  أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية لابن كثير، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2011م، ص: 730
  • 2  أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج-11، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 193
  • 3  أبو عمر يوسف بن عبد اللّٰه ابن عبد البر النمري، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج-4، مطبوعة: دار الجيل، بيروت، لبنان، 1992م، ص: 1843
  • 4  أبو عبد للّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 76
  • 5  أبو الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1415هـ، ص: 140
  • 6  أيضًا، ج-6، ص: 121
  • 7  أبو بكر محمد بن إسحاق المدني، السيرة النبوية، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 281
  • 8  أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري، السيرة النبوية لابن هشام، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 172
  • 9  أحمد بن يحيى البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج-1، مطبوعة: دار الفكر، لبنان، 1996م، ص: 200
  • 10  أيضًاـ، ج-1، ص: 438
  • 11  أبو عبد للّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 77
  • 12  محمود شاكر، أمهات المؤمنين، مطبوعة: المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، 2004م، ص: 170-171
  • 13  أبو عبد للّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 77
  • 14  أبو بكر محمد بن إسحاق المدني، السيرة النبوية، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 281
  • 15  أبو عبد للّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 77
  • 16  أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج-11، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 195
  • 17  أبو عبد للّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 78
  • 18  أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري، السيرة النبوية لابن هشام، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 711
  • 19  أبو الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج-8، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1415هـ، ص:142
  • 20  أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية لابن كثير، ج-3، مطبوعة: دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1976م، ص: 530
  • 21  أحمد بن يحيى البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج-1، مطبوعة: دار الفكر، لبنان، 1996م، ص: 440
  • 22  أبو الحسن علي بن محمد ابن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، مطبوعة: دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 1603
  • 23  عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، مطبوعة: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، السعودية، 2004م، ص: 155
  • 24  يحيى بن أبي بكر عماد الدين العامري، بهجة المحافل وبغية الأماثل، ج-2، مطبوعة: دار صادر، بيروت، لبنان، 1219م، ص: 142

Powered by Netsol Online