Support the largest ever research project (100 Volumes+) on the Seerah of Prophet Muhammad ﷺ.
Your support ensures that his message, mission and teachings reach billions of hearts across the world. Donate Now!

Encyclopedia of Muhammad

شعوب العرب القديمة

Published on: 27-Feb-2025

قسم المؤرخون والنسابون شعوب الجزيرة العربية القديمة وسكانها إلى أنواع متعددة، وعرّفوا كل نوع منهم بتعريف مستقل، وكل هذه التقاسيم والتعاريف استقرائية وضعها جيل جاؤوا بعدهم، واكتفى بها المؤرخون حيث لم يتعرضوا إلى تقسيم آخر، فكل مصطلح أو تعريف وضعه الأسلاف أصبح عند الأخلاف قطعيًا دون أيّ لبس فيه، فنبحث في هذا الفصل عن نشأة الجزيرة العربية وسكانها، وعن تقسيمهم إلى شعوب وقبائل.

أول ساكن الجزيرة العربية

أول من سكن المنطقة العربية آدم عليه السلام، كان مسكنه مكة المكرمة. 1 ودفن بها في جبل أبي قبيس. 2وكلمة العرب مأخوذة من العربة، وهي في الأصل اسم لبلاد العرب. 3 وإنما سموها عربًا؛ فإن العرب لغةً تطلق على الصحاري والقفار، والأرض المجدبة التي لا ماء فيها ولا كلأ، وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب كما أطلقت على قوم قطنوا تلك الأرض، واتخذوها موطنًا لهم. 4 وقيل: سميت هذا المنطقة بالعرب؛ لأن ‌لسان ‌آدم الذي علمه الله وتكلم به عربي. 5 ونطق به من جاء بعده من أولاده وأحفاده. وسماها الساميون بالعرب أولا مع اتفاق المؤرخين على أنها كانت موطنًا لشعوب عربية قديمة. 6 ولو أمعن النظر في لغة سكانها لتبين أن إطلاق العرب على القبائل والشعوب القاطنة قبل الساميين وهم أولاد آدم عليه السلام وأحفاده أجدر؛ لأنهم كانوا ينطقون بالعربية.

أول عمران في جزيرة العرب

إن جزيرة العرب من المناطق الأرضية التي استوطنها البشر في أول الأمر، ومنها انتشروا في الآفاق والأطراف حينا فحينا؛ وذلك لأن آدم وحواء عليهما السلام لما هبطا إلى الأرض فالتقيا في المزدلفة، ومن ثم سميت بها؛ لازدلافهما واجتماعهما فيها. 7 وأول عمران فيها عمره آدم عليه السلام، فأسس البيت، بيت الله العتيق، وصلى فيه، وطاف به.8 إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 969 وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (( خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا )). 10 وأما حواء عليها السلام فالظن الغالب أنها كانت بمثابة جسمه، كبيرة طويلة، وكلما طالت أجسام البشر وعظمت وكبرت فهي تفتقر إلى مأكولات ومشروبات بمقدار كبير، وذلك دليل على أن جزيرة العرب كانت خضرة، ثرية بالفواكه والخضراوات.

الشبهة الأولى

فإن سلمنا بما ذهب إليه الساميون من أن الجزيرة العربية كانت أرضًا قفراءً لا ماء فيها ولا كلأ، فكيف عاش فيها آدم عليه السلام مع أن الإنسان مفتقر في عيشه وبقائه إلى الطعام والشراب، وآدم عليه السلام كان أعظم جسما من عامة الناس، فهو بأمس حاجة إلى ذلك، ولو كانت أرضا قفراء لاستبعد بقاؤه في مثل هذه التربة الجافة؟ فالإجابة الصحيحة عنها قد نطلع عليها في حديث يرفعه أبو هريرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا )). 11

قيل: في زمان قديم كان أكثر أرض العرب مروجا وصحارى متدفقة بالمياه ذات أشجار وثمار، فتبدل العمران بالخراب، والريف بالتباب، والاجتماع بالافتراق، وذلك دأب الله تعالى في البلاد والعباد. 12 ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "تعود" دليل على ذلك، والعود في الأصل هو رجوع الأمر إلى شيء سبق أن كان عليه، ومتصفا به. هذه حقيقة العود. أما معنى الحديث في النظرة العلمية المعاصرة: فإن أرض العرب كانت مروجا وأنهارا، وأنها بعد فترة من الزمن أصبحت صحراء مجدبة قليلة الماء والأنهار، وأنها بعد ذلك ستعود ثانية فتجري فيها الأنهار وتمتلئ بالمرج الأخضر الذي يعلو أرضها. 13 وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن كثيرا من أودية شبه الجزيرة العربية كانت أنهارا في يوم ما، ويعتمدون في ذلك على أدلة. منها: أولا، وجود ترسبات في هذه الأودية من النوع الذي يتكون عادة في قيعان الأنهار، ومنها: ثانيا، ما عثر عليه من عاديات وآثار سكن على حافة الأودية، ومنها: ثالثا، ما جاء في كتابات القدامى من مؤرخي الأغارقة والرومان وجغرافيهم عن وجود أنهار في شبه الجزيرة العربية. 14 فكانت بلاد العرب قبل مبعث النبي نوح عليه السلام منطقة زاهرة، وتربة مخصبة ممطرة، عاش بها آدم عليه السلام وأولاده وأحفاده، تجري فيها العيون والأنهار، وتنبت بها الأزهار والأشجار، ثم حدثت فيها التغيرات الجيولوجية والتحولات الأرضية فأصبحت منطقة جافة قاحلة وتغيرت من الخضراء إلى الصحراء.

ومن أكبر ما تغيرت به طبيعة وجيولوجية المنطقة العربية الطوفان الذي أرسل الله تعالى على الناس زمن نوح عليه السلام؛ بما عصوا الله ورسوله وكذبوه، فنجى من العذاب من كان مع نوح عليه السلام في السفينة وهلك الباقون، قال الله عز وجل: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ 11915 وكان ابنه من المغرقين في الطوفان، فبقي نوح عليه السلام مع أبنائه الثلاثة، ومنهم انحدرت سلسلة البشر، فعمّر سام بن نوح عليه السلام وأولاده وأحفاده الجزيرة العربية.

الشبهة الثانية

إنها شبهة حول ولد نوح عليه السلام، أثارها علماء النصرانية مزورين ومحرفين في نصوص الكتاب المقدس، يقولون: إن القول بأن نوحًا عليه السلام كان له أربعة أبناء كما نعرفهم في التاريخ الإسلامي، أحدهم غرق في الطوفان وبقي ثلاث، سام وحام ويافث، موضوع محض مخالف للواقع الحقيقي، بل كان له ثلاثة أبناء فحسب ولم يهلك أحد منهم في الطوفان. ويستدلون بنص ورد في الكتاب المقدس، وهو أن بني نوح الذين خرجوا من الفلك كانوا ساما وحاما ويافثا، وحام أبو كنعان. 16

إن هذه شبهة أثارها النصرانيون، وليست لها حقيقة واقعية، فإن النصوص التي ذكرواها في إثبات قولهم إنما هي نصوص مترجمة مزورة محرفة من أصل الكتاب المقدس. 17 وذلك لأن له تراجم عديدة، منها ترجمة يهوية (Jahwist) أو (Yahwist) ويقال له (J-Text) أيضًا، وتعتبر كترجمة معتمدة للتوراة. قيل: إنها اختلقت قبل التقويم الميلادي بستمائة سنة. وذكر المؤرخون النصرانيون أن هذا الجزء من التوراة قد اختلق قبل التقويم الميلادي بألف سنة إلا خمسين عامًا. 18

كما يعتبر نص سفر التثنية (Deuteronomic Text) والنص القسوي أو الكهنوتي (Priestly Text) مصادر رئيسية أساسية، ويستند النص القسوي (Priestly Text) إلى أعراف وأغراض القسيسين والكهنة، وتحتوي على أحكامهم الشرعية ومسائلهم الدينية. 19يذكر فرينك موري كروس (Frank Moore Cross) العالم الأمريكي الشهير في كتابه أسطورة الكنعانيين وبطولة العبريين (Canaanite Myth and Hebrew Epic): أن النص القسوي (Priestly Text) ليس وثيقة حيادية بل هو مصدر مأخوذ من تراجم الكتاب المقدس. 20

فالنص الكهنوتي يبحث عن أغراض القسيسين والرهبان والكهنة، وهي ترجمة مزورة محرفة للنص اليهوي (Jahwist Text). ولذلك يختلف عما ترجم من اللغة العبرية تمامًا. أما النص الذي هو منشأ الشبهة هو النص القسوي وأصله:

יח וַיִּהְיוּ בְנֵי נֹחַ הַיֹּצאִים מִן הַתֵּבָה שֵׁם וְחָם וָיָפֶת //וּכְנָעַן 21

ومعناه في نص J-Text: أبناء نوح الذين نجوا في الفلك هم سام وحام ويافث وكنعان. 22 أما معناه في نص (J-Text) الذي علقت عليه إضافات النص الكهنوتي أو القسوي فهو أن أبناء نوح الذين نجوا في الفلك هم سام وحام ويافث، وحام أبو كنعان. 23

فنص (J-Text) بدون الإضافة والتعليق يصرح بأن أبناءه الذين كانوا معه في الفلك أربعة، ولا شك في صحة هذا القول. أما القول بأنهم كلهم نجوا من الطوفان فخطأ فاحش وقول باطل، معارض للقرآن الحكيم، قال الله عز وجل: فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ . 24 أي: أحد أبنائه قد كفر وهلك في الطوفان. ثم نص(J-Text) الذي أضيف إليه النص القسوي يدل على أن حامًا كان أبا كنعان وهو قول خطأ، ومحاولة فاشلة لتكذيب ما في القرآن؛ فإنه يعارض الحقيقة الواقعة.

هذه ثقة النص السابق وحقيقته التي تدل على أن رأي أئمة الأمة الإسلامية حق صحيح، وأسد وأصوب. وبناءً على ما يذهب إليه الأئمة المسلمون أن ابنه قد غرق في الطوفان. قال الله تعالى: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ 42 قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ 4325

هذا ما ذهب إليه المفسرون، يقولون: هلكت زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث، فحملهم وزوجاتهم الثلاثة في السفينة. 26 وابنه الهالك هو كنعان، وهو الذي غرق والعرب تسميه يام. 27 يقول ابن عباس رضي الله عنهما: لما خرج نوح عليه السلام من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم. 28 يعني أنهم نجوا من الهلاك في الطوفان، فكانوا أحياء عاشوا إلى مدة، ولم يلدوا أولادا، فماتوا حتف أنوفهم على أجل مسمى. أما أبناء نوح عليه السلام فولدوا أولادا، وكثروا ونشأوا وترعرعوا وانتشروا وبقوا وبقي نسلهم، قال عز وجل: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ7729 قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه سمرة رضي الله عنه: (( وجعلنا ذريته هم الباقين، قال: حام وسام ويافث )). 30 ولذلك سمي نوح عليه السلام آدم الثاني وأبو البشر الثاني. وقسم نوح الأرض بين أولاده أقسامًا، وخص كل واحد بموضع. 31 فدخل سام وأولاده في منطقة العرب وكثروا وانتشروا فيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم )). 32 فاستوطنوا جزيرة العرب وعمروها وعاشوا فيها.

العمران الثانوي في جزيرة العرب

إن جزيرة العرب عمرت بعد ما خربها الطوفان. فجميع الأمم والشعوب في الجزيرة العربية ينتمون إلى سام بن نوح عليه السلام، وهو أبو العرب كلهم باتفاق المؤرخين والنسابين، وليست للعرب علاقة الأبوة بأحد من أبنائه الآخرين، وينتهي نسبهم إلى سام عن ثلاثة طرق، عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح، وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح. 33 يقول ابن خلدون: أما سام فمن ولده العرب على اختلاف النسابين، وإبراهيم وبنوه عليهم السلام باتفاق النسابين. 34 وأما يافث فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين. 35 وأما حام فمن ولده السودان والهند والسند والقبط وكنعان. 36 فجميع الأمم والأقوام في العالم ينتمون إلى نوح عليه السلام عن ابنيه حام ويافث إلا الشعوب العربية كلها معزية إلى ابنه سام.

ولد سام

كان لسام بن نوح من الولد خمسة، وهم: إرفخشذ ولاوذ وأشوذ وغليم وإرم، وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة. وإن بني أشوذ هم أهل الموصل، وبني غليم أهل خوزستان، ومنها الأهواز، ولم يذكر في التوراة ولد لاوذ. وقال ابن إسحاق: وكان للاوذ أربعة من الولد، وهم: طسم وعمليق وجرجان وفارس. قال: ومن العماليق أمة جاسم، فمنهم: بنو لف، وبنو هزان، وبنو مطر، وبنو الأزرق، ومنهم بديل وراحل وظفار، ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشام وفراعنة مصر. وعن غير ابن إسحاق أن عبد بن ضخم وأميم من ولد لاوذ. قال ابن إسحاق: وكان طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلمون بالعربية، وفارس يجاورونهم إلى المشرق ويتكلمون بالفارسية. قال: وولد إرم عوص وكاثر وعبيل، ومن ولد عوص عاد، ومنزلهم بالرمال والأحقاف إلى حضرموت، ومن ولد كاثر ثمود وجديس، ومنزل ثمود بالحجر بين الشام والحجاز. 37 كانت العرب الذين كثروا وانتشروا في جزيرة العرب ومخاليفها ولد سام بن نوح عليه السلام عن أبنائه الخمسة، فأصبحوا شعوبا وأقوام متعددة، وانقسموا في القبائل والعشائر، ولم يذكر ابن خلدون شيئا عن ولد إرفخشذ، وقد ورد في الكتاب المقدس ذكر حفيده باسم عابر أو عبر، ولعابر ابنان، يقطان (يقطن) وفالج (فالغ). 38 وذهب المحققون إلى أن يقطن هو قحطان، عرّبته العرب هكذا، ومن ولد فالغ إبراهيم عليه السلام وشعوبه، ومن يقطن شعوب كثيرة. ففي التوراة ورد ذكر ولده، وهم: المرذاذ ومعربة ومضاض، وهم جرهم وإرم وهم حضور، وسالف وهم أهل السلفات، وسبأ، وهم أهل اليمن من حمير والتبابعة وكهلان، وهدرماوت وهم حضرموت. 39

يقول ابن قتيبة في ولد نوح عليه السلام: أما سام بن نوح فسكن وسط الأرض أي: الحرم وما حوله، واليمن إلى حضرموت إلى عمان إلى البحرين إلى عالج، ويبرين ووبار والدو والدهناء. فمن ولده إرم بن سام بن نوح، وإرفخشذ بن سام بن نوح. ومن ولد إرفخشذ بن سام قحطان بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح، وابنه يعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية، ونزل أرض اليمن، وهو أبو اليمن كلهم، وهو أول من حياه ولده بتحية الملوك: أنعم صباحًا، وأبيت اللعن. ومن ولد إرفخشذ: يقطن بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح. ويقطن: هو أبو جرهم، وجرهم هو ابن عم يعرب، وكانت جرهم ممن تسكن اليمن وتتكلم بالعربية، ثم نزلوا مكة فكانوا بها - وقطورا بنو عم لهم - ثم أسكنها الله إسماعيل عليه السلام، فنكح في جرهم، فهم أخوال ولده. ومن ولد إرم بن سام بن نوح: عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكانوا ينزلون الأحقاف من الرمل، فأرسل الله إليهم أخاهم هودًا عليه السلام.

ومن ولد إرم بن سام بن نوح: ثمود بن عابر -ويقال: ثمود بن جاثر بن إرم ابن سام بن نوح- وهو ابن عم عاد بن إرم، وكانوا ينزلون الحجر، فأرسل الله إليهم أخاهم صالحًا عليه السلام. 40 فإن الجزيرة العربية استعمرها ولد سام واستوطنوها وأقاموا فيها ثم تطوروا في تنظيم السلطات والحكومات فيها.

أقسام العرب

يقسم الجغرافيون والنسابون سكان جزيرة العرب إلى ثلاثة أقسام، هي العرب البائدة، العرب العاربة في الجنوب، والعرب المستعربة في الشمال. 41 وكل هذه الأقسام استقرائية مختلقة اخترعتها الأفكار الإنسانية، ولا علاقة لها بالواقع، وبما أن كلا منها كان من وجهة نظر خاصة فلا يخرج أحد سكانها من العرب الخلص، فكل من ولد في شبه الجزيرة العربية أو نشأ وترعرع فيها هو عربي وإن كان لسانه غير عربي. يقول ابن منظور الإفريقي: رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتا وإن لم يكن فصيحا. 42

سلك بعض المؤرخين مسلك الجغرافين في تقسيمهم العرب إلى البائدة والعاربة والمستعربة. بينما ذهب البعض إلى أن البائدة هم العاربة، والمستعربة قسيمهم. وذهب البعض إلى أن العاربة هم المستعربة والبائدة غيرهم. فإن سلمنا بالتقسيم الأول الثلاثي أي: البائدة والعاربة والمستعربة، صحيحًا فيُخل صحتها التقسيم الثنائي؛ فإن البائدة هم أقوام عربية بادت وهلكت، تدمرت وانقرضت، وإن هلكت البائدة فمن أين جاءت العاربة؟ وإن اعتبرناهم بقايا البائدة فليست البائدة بائدة أو لم يثبت انقراضهم وهلاكهم تمامًا.

وإلى جانب ذلك لا نجد في هذا التقسيم ذكر من كان قبل سيدنا نوح عليه السلام من العرب، رغم أنهم كانوا سكان الجزيرة العربية، وهلكوا في الطوفان، فهم جزء من البائدة دون أن يشملهم التقسيم.

وإضافةً إلى ذلك أطلق على العاربة عربًا خلصًا مع أن أول سكانها هم البائدة، وقبلهم ولد سيدنا آدم عليه السلام، فلمَ لم يطلق عليهم أصل العرب وأطلق على ولد قحطان؟

وأيضًا لم يطلق على العرب المستعربة أصل العرب؛ لأنهم لم يولدوا فيها، بل نزلوها من الخارج وأقاموا فيها، وبناءً على ذلك لا بد أن يكون أول من سكنها مستعربًا؛ فإن سيدنا آدم عليه السلام لم يولد فيها، بل هبط إليها من السماء، وبهذا الاعتبار ليست هذه المنطقة أول من عمرها البشر؛ فكل من جاءها واستعمرها فهو مستعرب.

كل هذه التقسيمات ليس لها علاقة أكيدة بالواقع، ولكن ذكر المؤرخون والنسابون والجغرافيون هذه التقاسيم؛ تسهيلا لفهم الشعوب العربية وعصورهم وسلطاتهم، ولم يضعها أحد من البائدة والعاربة والمستعربة، بل وضعها من جاء بعدهم، ولذلك هو محل النظر، لكن الأجدر بالذكر أن هذه التقاسيم والتعاريف لا تخل بعروبة أحد ولا تخرجه من العرب الخلص. ونبحث في الفصول الآتية عن العرب البائدة والعاربة والمستعربة.


  • 1  أبو حنیفة أحمد بن داؤد الدینوري، الأخبار الطوال، مطبوعة: دار إحیاء الکتب العربية، القاهرة، مصر، 1960م، ص: 1
  • 2  أبو حامد محمد بن محمد الأصفهاني، البستان الجامع لجمیع تواریخ أهل الزمان، مطبوعة: المکتبة العصریة للطباعة والنشر، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 57
  • 3  أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم البلدان، ج-4، مطبوعة: دار صادر، بيروت، لبنان، 1995م، ص: 96
  • 4  الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، الرحیق المختوم، مطبوعة: دار ابن حزم، بیروت، لبنان، 2010م، ص: 21
  • 5  أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-5، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2012م، ص: 296
  • 6  Tim Mackintosh Smith (2019), Arabs: A 3, 000-Year History of Peoples, Tribes and Empires, Yale University Press, London, U.K., Pg. 19.
  • 7  أبو الطیب محمد بن أحمد تقي الدين الفاسي، شفاء الغرام بأخبار بلد الحرام، ج-1، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 2000م، ص: 413
  • 8  أبو الولید محمد بن عبد الله الأزرقي، أخبار مکة وماجاء فیها من الآثار، ج-1، مطبوعة: دار الأندلس، بيروت، لبنان، 1389ه، ص: 36
  • 9  القرآن، سورة آل عمران 3: 96
  • 10  أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، حديث: 3326، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، 1999م، ص: 552
  • 11  أبو الحسین مسلم بن الحجاج القشیري، صحيح مسلم، حديث: 157، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، 2000م، ص: 408
  • 12  الحسين بن محمود بن الحسن مظهر الدين المظهري، المفاتيح في شرح المصابيح، ج-5، مطبوعة: إدارة الثقافة الإسلامية، الكويت، 2012م، ص: 392
  • 13  الدكتور عبد المجيد بن محمد الوعلان، الدلالات العقدية للآيات الكونية، مطبوعة: دار ركائز للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2019م، ص: 627
  • 14  الدكتور محمد بیومي مهران، دراسات في تاریخ العرب القدیم، مطبوعة: دار المعرفة الجامعیة، القاهرة، مصر، د. ت. ط، ص: 98
  • 15  القرآن، سورة الشعراء 26: 119
  • 16  الكتاب المقدس، سفر التكوين، الأصحاح: 9، الآية: 18
  • 17  Joel S. Baden (2009), J, E, and the redaction of the Pentateuch, Mohr Siebeck, Heidelberg, Germany, Pg. 305-313.
  • 18  Encyclopedia Britannica (Online): https://www.britannica.com/topic/Yahwist-source: Retrieved: 26-10-2024.
  • 19  Encyclopedia Britannica (Online Version): https://www.britannica.com/topic/Priestly-code: Retrieved: 26-10-2024.
  • 20  Antony F. Campbell & Mark A. O' Brien (1993), Sources of the Pentateuch: Texts, Introductions, Annotations, Fortress Press, Minneapolis, USA, Pg. 10.
  • 21  الكتاب المقدس، سفر التكوين، الأصحاح: 9، الآية: 18
  • 22  The Torah.com (Online): https://www.thetorah.com/article/noahs-four-sons: Retrieved: 26-10-2024.
  • 23  The Torah.com (Online): https://www.thetorah.com/article/noahs-four-sons: Retrieved: 26-10-2024.
  • 24  القرآن، سورة هود 11: 43
  • 25  القرآن، سورة هود 11: 42-43
  • 26  جلال الدين محمد بن أحمد المحلي، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تفسير الجلالين، ج-1، مطبوعة: دار الحديث، القاهرة، مصر، د. ت. ط، ص: 290
  • 27  أبو عبد الله محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 35
  • 28  أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن المعروف بتفسير البغوي، ج-7، مطبوعة: دار طيبة للنشر والتوزيع، الریاض، السعودیة، 1417م، ص: 43
  • 29  القرآن، سورة الصافات 37: 77
  • 30  أبو عیسى محمد بن عیسى الترمذي، جامع الترمذي، حدیث: 3230، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزیع، الریاض، السعودیة، 2009م، ص: 157-158
  • 31  أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج-1، مطبوعة: المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 2005م، ص: 33
  • 32  أبو عیسى محمد بن عیسى الترمذي، جامع الترمذي، حدیث: 3231، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزیع، الریاض، السعودیة، 2009م، ص: 958
  • 33  أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، ج-1، مطبوعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1412ه، ص: 96
  • 34  أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الإشبيلي المعروف بابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج-2، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1981م، ص: 8
  • 35  أيضًا، ج-2، ص: 11
  • 36  أيضًا، ج-2، ص: 12
  • 37  أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الإشبيلي المعروف بابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ج-2، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1981م، ص: 9
  • 38  الكتاب المقدس، سفر التكوين، الأصحاح: 10، الآية: 24-25
  • 39  الشيخ أحمد مغنية، تاريخ العرب القديم، مطبوعة: دار الصفوة، بيروت، لبنان، 1994م، ص: 7
  • 40  أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري، المعارف، مطبوعة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1992م، ص: 26-27
  • 41  الدكتور حسين الشيخ، العرب قبل الإسلام، مطبوعة: دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 1993م، ص: 69
  • 42  أبو الفضل محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، ج-1، مطبوعة: دار صادر، بيروت، لبنان، 1414ه، ص: 586

Powered by Netsol Online