ريحانة كانت ابنة شمعون بن زيد، وقيل: زيد بن عمرو بن قنافة، من بني النضير. وقيل: من بني عمر بن قريظة. 1 كانت امرأة يهودية، وسيمة جميلة، متزوجة رجلا من بين قريظة، يقال له الحكم. 2 نشأت وترعرت ريحانة في بني قريظة، وعاشت فيهم ما عاشت إلى أن ضرب المسلمون عليهم الحصار، ونزلوا على حكم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فأمر رسول اللّٰه بأسراهم فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة، ونحوا ناحية، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون، وكانت فيهن ريحانة أيضًا. 3
كان بين النبي صلى اللّٰه عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهد وتحالف، لكنهم نقضوا العهد في غزوة الأحزاب، وغدروا وخانوا بالمسلمين في هذا الموقف الصعب، وعرف النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بخيانتهم ونقضهم العهد، ولما فشل الأعداء وانهزموا، فهربوا تاركين بني قريظة لمعاناة عواقب الحرب ونتائجها. ورجع النبي صلى اللّٰه عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة، فجاءه جبرئيل عليه السلام، يطلب إلى الرسول الكريم، بأمر من اللّٰه تعالى مبادرة بني قريظة وتأديبهم على الفور، فأذن مؤذن رسول اللّٰه في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة، وخرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في موكبه من المهاجرين والأنصار، حتى نزل على بئر من آبار قريظة، وطلب إلى علي كرم اللّٰه وجهه أن يتقدم إلى حصون العدو على رأس فرسان المسلمين، كطليعة له ولأخوانه وأصحابه. وضرب الحصار على القوم الكافرين، أياما وليالي، واستمروا هم في تشاور ومراوغة ومماطلة، واستحضروا أبا لبابة رضي اللّٰه عنه؛ ليروا رأيه، ثم فوجئوا بفرسان المسلمين، وقد توسطوا ساحتهم، ودخلوا من ثغرة إلى حصونهم، عندئذ طلبوا الهدنة ووقف القتال، وارتضوا سعد بن معاذ رضي اللّٰه عنه حكما، فحكم فيهم سعد أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال. 4 فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( لقد حكمت فيهم بحكم اللّٰه)). 5 وكانت ريحانة وقعت أسيرة في السبي، فعرضت على النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فأمر بها فعزلت، وكان يكون له صفي من كل غنيمة. 6 وخيرها رسول اللّٰه بين الإسلام وبين دينها فاختارت الإسلام، فأعتقها رسول اللّٰه وتزوجها وضرب عليها الحجاب. 7
تفرق أهل السير في العلاقة بين النبي صلى اللّٰه عليه وسلم وبين ريحانة رضي اللّٰه عنها إلى طائفتين، طائفة قالت: كانت بينهما علاقة ملك اليمين، فلم يتزوجها النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بل كانت له أمة، وفي رأس هؤلاء ابن هشام، يقول: إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كان عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول اللّٰه، بل تتركني في ملكك، فهو أخف علي وعليك، فتركها. وقد كانت حين سباها قد تعصت بالإسلام، وأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ووجد في نفسه لذلك من أمرها. فبينا هو مع أصحابه، إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال يا رسول اللّٰه، قد أسلمت ريحانة، فسره ذلك من أمرها. 8
وطائقة قالت: كانت بينهما علاقة زوجية، وإن كانت هي في بداية الأمر أمة، ورأس هؤلاء الواقدي، يقول: كانت أمة لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فأعتقها وتزوجها، وكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فهذا أثبت الحديثين عندنا. 9 وإلى هذا القول ذهب ابن كثير، 10 وابن حجر العسقلاني. 11 وكذا رجحه ابن سعد والصالحي إلا أنهما قالا: خيرها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بين الإسلام ودينها فاختارت الإسلام، فأعتقها وتزوجها، وأصدقها اثنتي عشرة أوقية، وساروا وأعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس البخارية بعد أن حاضت حيضة، وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلقها تطليقة، فأكثرت البكاء، فدخل عليها وهي على تلك الحال، فراجعها، ولم تزل عنده حتى ماتت بعد مرجعه من حجة الوداع. 1213 أما مهرها فذكر البلاذري فيه قولين، أحدهما عن الزهري قال: كانت ريحانة من ملك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فأعتقها وتزوجها وجعل صداقها عتقها. والآخر أن ريحانة رضي اللّٰه عنها كانت تقول: تزوجني رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ومهرني مثل نسائه، وكان يقسم لي، وضرب علي الحجاب. 14 وقال الصالحي: أصدقها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية. 15 وعليه أكثر أهل السير والتاريخ.
كان النبي صلى اللّٰه عليه وسلم يستكثر منها ويعطيها ما تسأله، وماتت مرجعه من الحج، ودفنها بالبقيع. 16 قال ابن عبد البر: ماتت قبل وفاة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، يقال: إن وفاتها كانت سنة عشر مرجعه من حجة الوداع. 17