Encyclopedia of Muhammad

عمرو بن كلثوم

Published on: 09-May-2025

كان عمرو بن كلثوم رجلا ألمعيا بين العرب، وهو ابن أخت كليب بن مهلهل الرئيس الشهير، متصفا بالخصائل الحميدة والفضائل الجميلة، يمتاز بها عن الآخرين. وقد ساد عمرو بن كلثوم قومه وهو ابن خمسة عشر عاما. ومات وله من العمر مائة وخمسون سنة. وكان فارسا أبيا جريئا، حتى بلغ من أمره أن فتك بالطاغية عمرو بن هند، في بلاط سلطانه. وكان عمرو بن كلثوم شجاعا مظفرا مقداما فتاكا. وبه يضرب المثل في الفتك، فيقال: أفتك من عمرو بن كلثوم لفتكه بعمرو بن هند. 1

مولده وأسرته

عمرو بن كلثوم من بني تغلب بن وائل، ينتهي نسبه إلى معد بن عدنان. 2 أما تاريخ ولادته فلا نعرف عنه شيئًا؛ إذ لم تذكره المصادر التي بين أيدينا، وقد جعل كوسين دي برسفال مولده حوالي سنة خمسمائة وخمس وعشرين (525) سنة للميلاد، وكل ما نستطيع تأكيده هو أن الشاعر عاصر عمرو بن هند -من 554 إلى 570 للميلاد- وأنه أدرك النعمان بن المنذر 580 إلى 602 للميلاد-، فهجاه. وأما مكان ولادته فهو أيضًا غير معروف بالتحديد، وأغلب الظن أنه ولد في بلاد ربيعة، أي: في شمالي الجزيرة العربية، وكان والده من سادات قومه، فتزوج ليلى بنت المهلهل، عدي بن زيد، الشاعر والفارس الذي اشتهر في حرب تغلب وبكر، فنشأ عمرو يكتنفه الشرف من الطرفين في قبيلة كانت من أقوى القبائل العربية في العصر الجاهلي إن لم تكن أقواها. وقد قيل فيها: لو أبطأ الإسلام قليلًا لأكلت بنو تغلب الناس. نشأ عمرو بن كلثوم إذن في بيت من أسياد تغلب، هذه القبيلة المرهوبة الجانب، فكان من الطبيعي أن يكون معجبًا بنفسه، فخورًا بأهله وقومه، ويظهر أن شاعرنا توافرت لديه من الخصائل الحميدة كالشاعرية والفروسية والخطابة والكرم والشجاعة ما جعله يسود قومه في سن مبكرة. 3

نشأ عمرو في قبيلة تغلب بالجزيرة الفراتية، 4 في بيت سيد من أسياد قومه وأشرافهم، فكان من الواجب أن يتصف بخصائل يتميز بها عن أقرانه، فقد تمكن من سيادة قومه في خمس عشرة سنة، وضرب به المثل في الفروسية والشجاعة؛ وذلك لأنه قتل عمرو بن هند وكان فتاكًا سفاكًا. قيل: عمرو بن كلثوم شاعر فارس جاهلي، وهو أحد فتاك العرب، وهو الذي فتك بعمرو بن هند. 5 وكان سبب قتله عمرو بن هند أنه دعا عمرا بن كلثوم وأمه ليلى بنت مهلهل، وأغرى هندًا أمه أن تستخدمها في قضاء أمر، فصاحت ليلى، فثار به الغضب وقتل ابن هند في مجلسه. 6 فاشتهر بالفروسية والشجاعة في العرب. فيقال المثل السائر عند العرب: أفتك من عمرو بن كلثوم؛ وذلك أنه فتك بعمرو بن هند في دار ملكه وانتهب رحله، وارتحل موفورًا لم يصب بشيء. 7 فكان عمرو بن كلثوم فارسا شجاعا، أبيًا جرئيًا، شاعرًا مجيدًا، جوادًا كريمًا، ساد قومه في سن مبكرة.

اسمه ونسبه

اسمه عمرو بن كلثوم، كان من بني تغلب، من بني عتّاب. 8 فهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن ربيعة. 9 وقيل: عتاب بن سعد بن زهير بن جشم، 10 بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، 11 بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. 12

كنيته

كانت له كنى عديدة، منها أبو الأسود. 13 ومنها أبو عباد. 14 ومنها أبو عمير. 15 وكان له ثلاثة أبناء، وهم عبد الله والأسود، وهما شاعران كذلك، وعباد، فكني بأبي الأسود وأبي عباد. 16

أبواه

كان أبوه من سادات قومه، فتزوج ليلى بنت المهلهل. 17 وأمه ليلى بنت مهلهل أخي كليب. 18 وقيل: أمه ابنة كليب بن ربيعة، المعروف بكليب وائل. 19 فجده من الأم مهلهل، وجدته هند بنت عتيبة. وقيل: اسمها هند بنت نعج بن عتبة. 20 ولما تزوجها مهلهل ولدت له جاريةً. فقال لأمها: اقتليها وغيبيها، فلما نام هتف به هاتف يقول:

وعدد لا يجهل
في بطن بنت مهلهل

فاستيقظ فقال: أين بنتي؟ فقالت: قتلتها. فقال: لا وإله ربيعة، كان أول من حلف بها، ثم رباها وسماها أسماء. وقيل: ليلى. وتزوجها كلثوم بن مالك، فلما حملت بعمرو أتاها آت في المنام. فقال:

يا لك ليلى من ولد
يقدم إقدام الأسد

فلما ولدت عمرا أتاها ذلك الآتي. فقال:

أنا زعيم لك أم عمرو
بماجد الجد كريم النجار 21

وكانت له قرابة مع امرئ القيس من قبل أمه، حيث كانت أمه ليلى ابنة كليب بن ربيعة، ولكليب أخت اسمها فاطمة بنت ربيعة، وهي أم امرئ القيس. 22 وهذا يعنى أن فاطمة أم امرئ القيس كانت عمة ليلى أم عمرو بن كلثوم، وكان امرؤ القيس خالًا لعمرو بن كلثوم، فكان لأبويه شأن جليل ومقام كبير.

لمحات من حياته

كانت حياته متنعمةً مرفهة، نشأ نشأة السيد الموقر، سافر إلى بلدان نائية. يقول الزركشي: ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة، وتجوّل فيها، وفي الشام، والعراق، ونجد، وكان من أعز الناس نفسًا، وهو من الفتاك الشجعان، ساد قومه، تغلب، وهو فتى، وعمر طويلًا، وهو الّذي قتل الملك عمرو بن هند. 23 تولى سيادة ورئاسة قومه في سن مبكرة، ولم يصلنا من أخباره إلا النزر القليل، ومنه أنه قضى حياته مدافعًا عن قومه، مشاركًا إياهم في الحروب والغزوات، منتقلًا معهم كرًا وفرًا حتى وافته المنية. وأهم أخباره ثلاثة: إنشاده لمعلقته مدافعًا عن قومه عند عمرو بن هند، وقتله لعمرو بن هند، وأسره. 24 فهذه أخبار ثلاثة نقلها المؤرخون ببسط.

زواجه وأولاده

تزوج عمرو بن كلثوم ببنت الثوير. 25 أما أولاده فهم عبد الله والأسود، وهما شاعران، وعباد وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس. 26 بالإضافة إلى ذلك كان له حفيد باسم شبيب، وهو أيضا شاعر، روي أن شبيبا خاطب أمه وهي بنت عمرو بن كلثوم:

حنت نوار وأي حين حنت
وبدا الذي كانت نوار أجنت
لما رأت ماء السلى مشروبا
والفرث يعصر في الإناء أرنت 27

والسلى -بفتح السين المهملة والقصر- هي الجلدة الرقيقة التي يكون الولد فيها من المواشي، وهي المشيمة له. والفرث -بالفتح- السرجين ما دام في الكرش. وأرنت من الرنة وهو الصوت، يقال: رنت ترن رنينًا وأرنت إرنانًا: إذا صاحت. وإنما صاحت نوار وبكت؛ لأنها تيقنت في تلك المفازة الهلاك حيث لا ماء إلا ما يعصر من فرث الإبل، وما يخرج من المشيمة من بطونها، وهذان البيتان اختلف في قائلهما: فقيل: شبيب بن جعيل التغلبي وهو جاهلي، وإليه ذهب الآمدي في المؤتلف والمختلف، قال: وشبيب هذا كان بنو قتيبة الباهليون أسروه في حرب كانت بينهم وبين بني تغلب. فقال شبيب هذين البيتين لما رأى أمه نوار أرنت وهي بنت عمرو بن كلثوم. 28 فكان في ولده ثلاثة أبناء وبنت واحدة، وله منها حفيد باسم شبيب. وقد عمر عمرا طويلا حتى رأى من ولده وولد ولده خلفا كثيرا. 29

مكانته في الشعر

تبوأ عمرو مكانة عالية بين الناس في الشعر والأدب، فعده كبار العلماء من الطبقة الأولى. 30 وعده البعض من الطبقة السادسة. قيل: أما الطبقة السادسة فنظم فيها عمرو بن كلثوم والحارث ابن حلّزة وعنترة. 31 وهذا يحتمل أنهم أرادوا بذلك تحديد طبقات الأبيات المنظومة، وعداده في هذا الباب من الطبقة السادسة؛ فإنه في أعلى المراتب من الشعر والأدب. وذلك لأن الذين قدموا عمرا بن كلثوم قالوا: هو من قدماء الشعراء، وأعزهم نفسًا، وأكثرهم امتناعًا، وأجودهم واحدةً. قال عيسى بن عمر: لله در عمرو بن كلثوم، أي: حلس شعر، ووعاء علم. لو أنه رغب فيما رغب فيه أصحابه من الشعراء، وإن واحدته لأجود سبعهم. 32

عاش طيلة حياته سيدا لقومه تغلب، يدافع عنهم بشعره وسيفه، ولم ينشد من الشعر إلا قصيدة وعدة أبيات، ولذلك كان عيسى بن عمر يتأسف تأسفًا شديدًا على أنه لو كان يقول الأشعار مثل أقرانه لكانت له سمعة سائرة في ميدان الشعر. نعم، إن قصيدته المعلقة على جدران بيت الله الشريف تدل على علو كعبه في الشعر الجاهلي ورسوخه في الأدب العربي، وعرف بها في الآفاق والأطراف.

قصيدته المعلقة

قصيدته المعلقة كانت متألفة من أشعار تميزها من أخواتها، وهي قصيدة تمتاز ببلاغة وفصاحة وصياغة، وبتعبيرات واستعارات وتشبيهات رائعة رائقة. وسبب إنشادها أن فتن تغلب مع أختها بكر بن وائل كانت تتكاثر بسبب حرب البسوس، وكان آخر صلح لهم على يد عمر بن هند أحد ملوك الحيرة من آل المنذر، ولم تمض مدة حتى حدث بين وجوه القبيلتين مشاحة في مجلس عمرو بن هند، قام أثناءها شاعر بكر، الحارث بن حلزة اليشكري، وأنشد قصيدته المشهورة، وما فرغ منها حتى ظهر لعمرو بن كلثوم أن هوى الملك مع بكر، فانصرف ابن كلثوم وفي نفسه ما فيها، ثم خطر على نفس ابن هند أن يكسر من ‌أنفة تغلب بإذلال سيدها وهو عمرو بن كلثوم، فدعاه وأمه ليلى بنت مهلهل، وأغرى هندًا أمه أن تستخدمها في قضاء أمر، فصاحت ليلى، فثار به الغضب، وقتل ابن هند في مجلسه، ثم رحل توًّا إلى بلاده بالجزيرة، وأنشد معلقته. 33

لقد جعل عمرو ميدان حرب البسوس -حرب اقتتلت فيها بنو تغلب وبنو بكر- حاسمًا داميًا، وقاتل قتالًا شديدًا ضد الأعداء، ثم أصلح بينهم هذا الملك صلحًا لم يستمر إلا لمدة يسيرة، ثم قام بإذلال ابن كلثوم فقتله شر قتلة، وتفصيلها أنه كان من فتك عمرو بن كلثوم أن مضرط الحجارة -وهو عمرو بن المنذر بن ماء السماء اللخمي، وأمه هند بنت الحارث، ابن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكندي- وكان شديد الملك. فقال يوما لجلسائه: هل تعلمون أن أحدًا من العرب من أهل مملكتي يأنف من أن تخدم أمه أمي؟ قالوا: نعم، عمرو بن كلثوم؛ فإن أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب بن وائل، وزوجها كلثوم، وابنها عمرو، فسكت عمرو على ما في نفسه، ثم بعث إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه ليلى أمه هندًا.

فقدم عمرو بن كلثوم في فرسان تغلب ومعه أمه ليلى، فنزل على شاطئ الفرات، وبلغ عمرو بن هند قدومه، فأمر بحجرته فضربت فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فصنع لهم طعامًا، ثم دعا الناس إليه، فقرب إليهم الطعام على باب السرادق، وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق، ولأمه هند في جانب السرادق قبة، وليلى أم عمرو بن كلثوم معها في القبة. فقال عمرو بن هند لأمه: إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق إلا الطرف فنحي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف فاستقدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء، ففعلت هند ما أمرها به حتى إذا نادى بالطرف قالت هند لليلى: ناوليني ذلك الطبق. قالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فقالت: ناوليني، وألحت عليها. فقالت ليلى: وا ذلاه! يال تغلب، فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه والقوم يشربون، ونظر عمرو بن كلثوم فعرف الشر وقد سمع قول أمه: يال تغلب، ونظر إلى سيف عمرو بن هند معلقًا في السرادق منصلتًا، فضرب به رأس عمرو بن هند، فقتله، وخرج فنادى: يال تغلب، فانتهبوا ماله وخيله، وسبوا النساء، ولحقوا بالجزيرة وأنشد القصيدة. 34 التي طليعتها:

ألا هبي بصحنك فأصبحينا

يقال: إنها كانت في نحو ألف بيت، وإنما بقي منها ما حفظه الرواة، وفيها من الفخر والحماسة والعجب. 35 وليس له غير هذه القصيدة إلا أبيات عديدة تشابه مفاهيمها مفاهيم قصيدته، وقصيدته إحدى مفاخر العرب، قام بها خطيبًا في فتكه بعمرو بن هند وقتله، وفيها يقول:

بأي مشيئة عمرو بن هند
تطيع بنا الوشاة وتزدربنا
فإن قناتنا ياعمرو أعيت
على الأعداء قبلك أن تلينا 36

وقد قال عمرو هذا الأشعار متفاخرًا بنسبه وحسبه، وبمنزلته ومكانته، وبفضل قومه وشرفهم، كما هدد فيها أعدائهم بفروسيته وشجاعته.

فصاحته وبلاغته

إلى جانب قدمه الراسخة في الشعر كان خطيبا بليغا مصقعا مدهشا لعقول الناس معجبا لها. وكان خطيبا حكيما، أوصى بنيه عند موته بوصية بليغة حسنة. 37 والخطابة وجه آخر من أوجه النشاط الفكري عند الجاهليين، وكان للخطيب عندهم كما يقول أهل الأخبار مقام كبير للسانه وفصاحته وبيانه وقدرته في الدفاع عن قومه، والذبّ عنهم، والتكلم باسمهم، فهو في هذه الأمور مثل الشاعر، لسان القبيلة ووجهها. وقد ذكر أهل الأخبار أسماء جماعة من الخطباء، اشتهروا بقوة بيانهم وبسحر كلامهم، وأوردوا نماذج من خطبهم، ومنهم من اشتهر بنظم الشعر، وعدّ من الفحول مثل عمرو بن كلثوم. 38 فكان له يد طولى في الخطابة والشعر الفصيحين البليغين، يدافع عن حسب قومه ونسبهم عن طريق كل من الشعر والخطابة.

وصيته

يظهر من هذه الوصية أنه كان في قمة البلاغة، كما تدل على فكره العميق ونظره الدقيق. ذكر الأصفهاني أنه عندما حضرت ابن كلثوم الوفاة جمع بنيه، وقال لهم: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت، وإني والله ما عيرت أحدًا بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقًا فحقًا، وإن كان باطلًا فباطلًا، ومن سَبَّ سُبَّ، فكفوا عن الشتم، فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب، فرُبّ رجل خير من ألف، ورد خير من خلف. إذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار تكون الأهذار، وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب، ومن الناس من لا يرجى خيره ولا يخاف شره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره، ولا تتزوجوا من حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض. 39

تبين أنه جرب أمورا كثيرة طيلة حياته ملخصها ذكرها في هذه الوصية، ومن خلالها نطلع على أنه كان عمّر عمرا طويلا من آبائه وأجداده وإخوته وأخواته وغيرهم من أسرته، قيل: بلغ خمسين ومئة (150) سنة. 40 وقد تمهر مع عمره الطويل في فن الشعر العربي حتى قال قصيدةً شهيرةً معلقةً إثر قتله عمرو بن هند. ديانته

قيل: إن عمرا بن كلثوم كان نصرانيًا يؤمن بالقدر والقضاء. يقول المؤرخون: نجد عمرا بن كلثوم في جملة من آمن بالقضاء والقدر، وبأن الموت مقدر لنا ونحن مقدرون له، وذلك في قوله:

وإنا سوف تدركنا المنايا
مقدرَة لنا ومقدّرينا

وهو من المؤمنين بالله الحالفين به وذلك كما جاء في بيت شعر نسبوه إليه:

معاذ الله يدعوني لِحنث
ولو أقفرت أيّاما قتار

وهناك أشعار أخرى مثلها تنسب إليه. 41 فكان على دين الفطرة، من الموحدين المؤمنين بالقضاء والقدر، والموت والبعث بعده، لا من المشركين الذين لا يؤمنون بوحدانية الله تعالى وربوبيته.

وفاته

بعد مقتل عمرو بن هند، أصبح التغلبيون في عداوة مع جميع القبائل الخاضعة للمناذرة أو المحالفة إياهم، ومنهم بنو بكر أعداء التغلبيين الألداء، فاضطروا إلى مقاتلتهم جميعًا، وفي إحدى غزواتهم، أغار عمرو بن كلثوم على بني تميم، ثم مر من غزوة ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة فملأ يديه منهم، وأصاب أسارى وسبايا، وكان فيمن أصاب أحمد بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة، وفيهم أناس من عجل، فسمع به أهل حجر، فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم، عليهم يزيد بن عمرو بن شمر، فانتهى إليه يزيد بن عمرو، فطعنه فصرعه عن فرسه، وأسره، وكان يزيد شديدًا جسيمًا، فشده في القد. 42 وذكر أن عمرا بن كلثوم، أغار على بني حنيفة باليمامة، فأسره يزيد بن عمرو الحنفي، ثم سقاه الخمر في قصر بحجر اليمامة حتى مات. وذكر أن يزيد أراد المثلة به بربطه بجمل، ثم ضرب الجمل ليركض به، فصاح: يا آل ربيعة، أمثلة. 43 فترك يزيد التمثيل به بعد ما أرادها، فقتله بسقي الخمر.

وروي خبر آخر في وفاته وهو أن الملوك كانوا يبعثون إلى عمرو بن كلثوم بحبائه وهو في منزله من غير أن يفد إليها، فلما ساد ابنه الأسود بن عمرو، بعث إليه بعض الملوك بحبائه كما بعث إلى أبيه، فغضب عمرو وقال: ساواني بولدي؟ فحلف، ومحلوفه لا يذوق دسما حتى يموت، وجعل يشرب الخمر صرفًا على غير طعام، فلما طال ذلك قامت امرأته بنت الثوير فقتّرت له بشحم؛ ليقرم إلى اللحم؛ ليأكله فقام يضربها ويقول:

معاذ الله يدعوني لحنث
ولو أقفرت أياما قتار

فلم يزل يشرب حتى مات. 44

كلا الخبران وإن تعارضا فيما بينهما لكنها يدلان على سبب واحد، وهو أنه قتل بسبب كثرة شرب الخمر. وكانت وفاته سنة ستمائة (600) لميلاد المسيح عليه السلام، واثنان وخمسون عاما (52) قبل الهجرة النبوية على صاحبها آلاف الصلوات والتسليمات، وله من العمر خمسون سنة ومائة (150). 45 وكانت وفاته قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عمر عمرًا طويلًا في أسرته.

ملخص المقال في هذا المجال أن عمرا بن كلثوم ولد في الجزيرة الفراتية في أسرة ذات حسب ونسب، وشرف وكرامة. نشأ وترعرع في عشيرة موقرة شريفة من بني تغلب، وأصبح شابًا أبيًا جريئًا شجاعًا، فصيح اللسان وبليغ الكلام، تأهل بكلتا الخصلتين اللتين تعرفان الناس على من كان متصفًا بهما في المجتمع العرب الجاهلي، وهما الشعر والخطابة، فكان فائقًا ممتازًا في قومه وقبيلته، فساد قومه في الخامسة عشر من عمره بسبب ما كانت فيه خصائل وفضائل من الجرأة والشجاعة، والشعر والخطابة، فدافع عن قومه في أكثر الميادين بلسانه البليغ وجسمه القوي المتين وذهنه الثاقب، وفكره الحاذق، وقلبه العقول، وعقله السؤول، وسيفه المسلول، وذات يوم قتل ملكا جبارا شديد القوة عمرا بن هند بما رأى منه إذلاله لقبيلته وأمه، وأخذ أمواله ونهب أوزاره وسب نسائه، ولما فاز في صراعه هذا قال قصيدةً شهيرةً علقت على بيت الله الشريف، يضرب بها المثل في البلاغة والفصاحة، والمعاني والمفاهيم، وذاعت قصيدته في الأطراف والأقطار. عمّر عمرًا طويلًا حتى رأى أولاده وأحفاده. وأخيرا قتله يزيد بن عمرو من بني حنيفة عندما كان يقاتل مع القبائل العربية بسبب قتله عمرا بن هند، فتوفي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان موحدًا مؤمنًا بالقضاء والقدر، والبعث بعد الموت، وهذا يشير إلى أنه كان مؤمنًا برب العالمين.


  • 1  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 203
  • 2  أيضًا، ص: 203
  • 3  أيضًا، ص: 206
  • 4  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 60
  • 5  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج-3، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 183
  • 6  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 60
  • 7  أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري، جمهرة الأمثال، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1988م، ص: 96
  • 8  أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدینورى، الشعر والشعراء، ج-1، مطبوعة: دار الحدیث، القاهرة، مصر، 1423ه، ص: 228
  • 9  أبو عبید الله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1982م، ص: 202
  • 10  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-8، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 83
  • 11  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب،ج-3، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 183
  • 12  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002 م، ص: 205-206
  • 13  أبو عبید عبد الله بن عبد العزیز البكري، سمط اللآلي في شرح آمالي القالي، ج-1، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بيروت، لبنان، 1936م، ص: 636
  • 14  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 205
  • 15  أبو عبید الله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1982م، ص: 202
  • 16  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-8، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 80
  • 17  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002 م، ص: 206
  • 18  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 60
  • 19  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-6، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 46
  • 20  أبو عبید عبد الله بن عبد العزیز البكري، سمط اللآلي في شرح آمالي القالي، ج-1، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بيروت، لبنان، 1936م، ص: 636
  • 21  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج-3، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 183-184
  • 22  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج-3، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 185
  • 23  أبو الغیث خیر الدین بن محمود الزركلي، الأعلام، ج-5، مطبوعة: دار العلم للملایین، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 84
  • 24  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 206
  • 25  أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي، المحبر، مطبوعة: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1361هـ، ص: 471
  • 26  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-8، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 80
  • 27  أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي، المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، مطبوعة: دار الجیل، بیروت، لبنان، 1991م، ص: 105
  • 28  عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، ج-4، مطبوعة: مکتبة الخانجي، القاهرة، مصر، 1997م، ص: 199-200
  • 29  أبو عبید الله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1982م، ص: 202
  • 30  أبو الغیث خیر الدین بن محمود الزركلي، الأعلام، ج-5، مطبوعة: دار العلم للملایین، بیروت، لبنان، 2002 م، ص: 84
  • 31  الدكتور أحمد شوقي عبد السلام ضیف، تاریخ الأدب العربي، ج-1، مطبوعة: دار المعارف، القاهرة، مصر، 1995م، ص: 431
  • 32  أبو زید محمد بن أبي الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، مطبوعة: المطبعة الرحمانية، القاهرة، مصر، 1926م، ص: 40
  • 33  أحمد بن إبراهيم الهاشمي، جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب، ج-2، مطبوعة: مؤسسة المعارف، بيروت، لبنان، 1969م، ص: 60
  • 34  أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي، المحبر، مطبوعة: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1361هـ، ص: 202-204
  • 35  أبو الغیث خیر الدین بن محمود الزركلي، الأعلام، ج-5، مطبوعة: دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 2002م، ص: 84
  • 36  أبو زید محمد بن أبي الخطاب القرشي، جمهرة أشعار العرب، مطبوعة: المطبعة الرحمانية، القاهرة، مصر، 1926م، ص: 40
  • 37  أبو عبید الله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1982م، ص: 202
  • 38  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-16، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 405
  • 39  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 212
  • 40  أبو عبید الله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، مطبوعة: دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، 1982م، ص: 202
  • 41  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-11، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 156
  • 42  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 210
  • 43  الدكتور جواد علي، المفصل في تاریخ العرب قبل الإسلام، ج-18، مطبوعة: دار الساقي، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 131
  • 44  أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي، المحبر، مطبوعة: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، 1361هـ، ص: 470-471
  • 45  أبو عبد الله حسین بن أحمد الزوزوني، شرح المعلقات السبع، مطبوعة: دار إحیاء التراث العربي، بیروت، لبنان، 2002م، ص: 203

Powered by Netsol Online