Encyclopedia of Muhammad

التحنث

Published on: 31-Jul-2025
undefined
حضور ﷺ کی عمر مبارک32/33غار کا نامحراپہاڑ کا نامجبل النورمقاممکہ مکرمہ
LanguagesتحنثEnglishGerman

التحنث هو التعبد الليالي ذوات العدد، وقيل: هو التعبد المجرد. 1 وهو عبارة عن العبادة والرياضة مع التفكر والتعمق. ويطلق التحنث في كتب السيرة على اعتزال النبي صلى اللّٰه عليه وسلم وانفراده لعبادة اللّٰه في جبل حراء، وذلك كما حبب اللّٰه تعالى لنبيه العزلة والانفراد عن الناس، والانقطاع لعبادة اللّٰه؛ تصفيةً لقلبه، وتزكيةً لروحه، وإبعادا له عن الباطل وأهله. فاختار صلى اللّٰه عليه وسلم لنفسه هذه العزلة عن رغبة وعاطفة، حيث وجد فيها لذة الروح، وسلوة النفس، ومتعة القلب، بالأنس باللّٰه عز وجل. 2 فكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يجاور فى حراء من كل سنة شهرا. 3

غار حراء

كان تحنث النبي صلى اللّٰه عليه وسلم في غار حراء من مقدمات النبوة، كما روي عن عائشة رضي اللّٰه عنها: أول ما بديء به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء. 4 يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة، وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع وعرضه ذراع وثلاثة أرباع ذراع من ذراع الحديد، فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة والتفكر فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة مبدعة. 5 وأما انفراده في غار حرا فلأن يجمع بين الخلوة والتعبد والنظر إلى بيت اللّٰه الحرام، ولا تجتمع هذه المزايا العظيمة إلا في غار حراء الذي يطل على الكعبة، فيمكنه من النظر إليها، والنظر إلى البيت عبادة، فيكثر هناك من عبادة اللّٰه تعالى ليالي وأياما عديدة، ولا يمكن القطع في كيفية عبادته صلى اللّٰه عليه وسلم؛ لأنه لم يرو شيء عن ذلك في الأخبار الصحيحة، ولكن الذي يرجحه المحققون من أهل العلم أنه كان يتعبد بالتفكير والتأمل في هذا الكون ومبدعه، والفكر عبادة، فيمكث هناك في غار حراء فترة من الزمن حتى يحن إلى أهله، ويقوى اشتياقه إليهم، ويفرغ زاده، فإذا اشتد به الحنين إلى أهله، وانتهى ما معه من الزاد عاد إلى خديجة مرة أخرى، فيأخذ من خديجة زادا جديدا، يصطحبه معه إلى غار حراء.6

وكان اختيار النبي صلى اللّٰه عليه وسلم لهذه العزلة طرفا من تدبير اللّٰه له، وليكون انقطاعه عن شواغل الأرض وضجة الحياة وهموم الناس الصغير التي تشغل الحيا نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، فيستعد لحمل الأمانة الكبرى وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ. 7 فقضى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم في العزلة والانقطاع مدة مديدة، حتى بدئ صلى اللّٰه عليه وسلم من الوحي في الرؤيا الصالحة الصادقة، وهي من مقدمات النبوة، التي اقتصر عليها الوحي مدة ستة أشهر. 8

مشاهدات روحانية

روي أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم حين أراد اللّٰه كرامته وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا، ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللّٰه. وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا. 9 ولما طال عليه أن يتحنث ويمكث في غار حراء منعزلا عن الناس، متفكرا في مشاهد الكون، بدأ يشعر برؤية ضوء أو بسمع صوت في الغار، فذكر ذلك لخديجة رضي اللّٰه عنها وقال: (( يا خديجة، إني أسمع صوتا وأرى ضوءا وإني أخشى أن يكون في جنن )). 10 قامت خديجة رضي اللّٰه عنها ‌فجمعت ‌عليها ‌ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل، فأخبرته بما أخبرها به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. 11 وكان ورقة قد تنصر واستحكم في النصرانية، ‌وابتغى ‌الكتب ‌من ‌أهلها حتى علم علما كثيرا من أهل الكتاب. 12 فقال ورقة لخديجة رضي اللّٰه عنها: قدوس قدوس! والذي نفسي بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له ‌فليثبت. 13 وفي رواية: إن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم قص عليه الخبر وقال: (( إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فأنطلق هاربا في الأرض )). فقال: لا تفعل، فإذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني، فلما خلا ناداه: يا محمد قل: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حتى بلغ، ولا الضالين، قل: لا إله إلا اللّٰه. فأتى ورقة، فذكر ذلك له. فقال له ورقة: أبشر، ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل. 14 فمكت على تلك الحالة حتى أشرقت عليه أنوار النبوة، ونزل عليه الوحي الصريح، يوم الاثنين السابع عشر من رمضان، فأتاه ملك الوحي جبرئيل عليه السلام- حقيقةً لا خيالا- مرسلا من رب العزة، وكان صلى اللّٰه عليه وسلم قد أتم الأربعين من عمره، وتلك سنة اللّٰه في الأنبياء، لا يأتيهم الوحي حتى يتم نضجهم الجسمي والعقلي والنفسي ببلوغ أربعين سنة. 15


  • 1  أبو الفيض محمد بن محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج-5، مطبوعة: دار الهداية، الكويت، 1965م-2001م، ص: 225
  • 2  حمزة بن محمد قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، ج-1، مطبوعة: مكتبة دار البيان، دمشق، السورية، 1990م، ص: 34-35
  • 3  أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللّٰه والثلاثة الخلفاء، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2000م، ص: 164
  • 4  أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2008م، ص: 135
  • 5  الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، مطبوعة: دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 2010م، ص: 86
  • 6  حمزة بن محمد قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، ج-1، مطبوعة: مكتبة دار البيان، دمشق، السورية، 1990م، ص: 35
  • 7  الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، مطبوعة: دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 2010م، ص: 86
  • 8  حمزة بن محمد قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، ج-1، مطبوعة: مكتبة دار البيان، دمشق، السورية، 1990م، ص: 34
  • 9  أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 228
  • 10  أبو عبد لله محمد بن سعد البصري، الطبقات الكبرى، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1990م، ص: 153
  • 11  أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية لابن كثير، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2011م، ص: 90
  • 12  أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية لابن كثير، ج-1، مطبوعة: دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1976م، ص: 155
  • 13  أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 234
  • 14  أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2008م، ص: 158
  • 15  حمزة بن محمد قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، ج-1، مطبوعة: مكتبة دار البيان، دمشق، السورية، 1990م، ص:36

Powered by Netsol Online