زُهَيْر بن أبي سُلْمَى أحد الشعراء الأجلاء عند العرب؛ فإنه كان شاعرًا عبقريًا فذًا من أصحاب المعلقات، وبها زاد رفعةً وسمعةً بين أترابه وأقرانه من الشعراء الفصحاء البلغاء، وكان زهير من قبيلة مزينة، بطن من مضر.
لم ينقل أحد من المؤرخين قولًا ولا رأيًا تاريخيًا عن مولده، ولا يمكن لأحد أن يتقول بقول تجاه مولده حتمًا إلا أن يقاس على حادثة من الأحداث التي عاصرها، وقد وقعت حوادث وهي تدل على تحديد مولده، إنها حرب داحس والغبراء، وقام زهير بمدح بعض الرؤساء من بني مرة كما روي أن سيدي بني مرة غير مدافعين هرم بن سنان والحارث بن عوف ممدوحا زهير بن أبى سلمى، وتظهر قبيلة ذبيان وعشائرها على مسرح التاريخ الجاهلى مع حرب داحس والغبراء التى نشبت بينها وبين أختها عبس، واستمرت فيما يقول الرواة نحو أربعين عامًا امتدت فيما يظن من سنة 568 إلى سنة 608 للميلاد، 1 والقصيدة التي قرأها زهير في مدح أشراف بني مرة بعد أن خمدت نيران الحرب، وقال فيها شعرًا يشير إلى أنه كان ابن ثمانين سنة، وهو:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولًا لا أبا لك يسأم2
فتلخيص ما ذكرنا أن حرب داحس انتهت عام ست مئة وثمان (608) للميلاد، وكان زهير آنذاك ابن ثمانين سنة، فنتيجة لذاك نقول: إنه ولد عام خمس مئة وثلاثين (530) للميلاد، وأما مسقط رأسه وموضع مولده فيقول فيه الزوزني: كان من حديث زهير وأهل بيته أنهم كانوا من "مزينة" إحدى قبائل مضر، وكان يقيم هو وأبوه وولده في منازل بني: عبد اللّٰه بن غطفان، بالحاجر من نجد، ولذلك كان يذكر في شعره بني مرة وغطفان ويمدحهم.3
ويذكر في هذا الصدد الإمام الزركلي: ولد في بلاد مزَينة بنواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام. 4وكان له في فن الشعر قدم راسخ، أثر ذلك في ولده، فأكثرهم ولده كانوا شعراء، وذلك فأن ولذلك أكثر أفراد أسرته كانوا شعراء كما تصرح عليه النصوص التالية: ويقال: إنه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير. ، 5 ويقول الإمام الزركلي: قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعرًا، وخاله شاعرًا، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة . 6 وذكر الدكتور جواد علي أن: ابن ابنه المضرب بن كعب شاعر، وقد عرف بأمه7
تشير هذه النصوص إلى أنه كان من أسرة تشغف بالشعر شغفًا قلبيًا، وكل من ينتمي إلى أسرته كان شاعرًا بارعًا معروفًا في البلاد العربية.
كنيته أبو بجير، كني باسم ابنه بجير، قال الإمام السيوطي نقلًا عن ابن دريد أن كنية زهير أبو بجير. 8
هو زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني من مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وكانت محلتهم في بلاد غطفان،]9 ولم يكن من غطفان، بل كان من مزينة بطن من مضر، وذكر نسبه في طبقات فحول الشعراء: زهير بن أبي سُلمى، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح ابن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان ابن مزينة 10. وأما مزينة فذكر عنها الزوزني فقال: مزينة أم عمرو بن أد، هي بنت كلب بن وبرة .11
فورد في نص سابق أن رياح بن قرط، وذكر الإمام السيوطي أن رياح. بكسر الراء ثم تحتية- بن مرة بن الحارث12، وذكر الزوزني أن رياح بن قرة بن الحارث,13 وقد ذهب المؤرخون الآخرون خلاف ذلك فذكروا أن رياح ابن قرط كما ذكره ابن عبد البر إلا أنه زاد بين مازن وبين ثعلبة خلاوة,14 وأضاف إلى هذا النسب عبد القادر البغدادي فأورد في كتابه: ربيعة بن رياح المزني من مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. 15 ثم زاد فیه الزوزني كما يلي: وينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان .16
هذه هو نسبه المعروف الذي ذكره المؤرخون في كتبهم نحو الحافظ ابن حجر رحمه اللّٰه في "الإصابة في تمييز الصحابة"17 وغيرهم، ويدل على أنه يصل إلى مزينة، ثم من مزينة إلى مضر، ومن مضر إلى عدنان، وهو ينسب إلى أقرب قبيلته الشهيرة وهي مزينة فيقال: مزني.
ذكر ابن قتيبة أن الناس ينسبونه إلى مزينة، وإنما نسبه فى غطفان18؛ لكن هذا قول خطأ، وقد صرح عليه ابن عبد البر في الاستيعاب حيث قال: كانت محلتهم في بلاد غطفان، فيظن الناس أنهم من غطفان- أعنى زهيرًا وبنيه- وهو غلط,19 ومن ثم ذكر ابن قتيبة بعد ذلك بعدة صفحات أنه كان من مزينة مضر, 20 وأوضحه الدكتور شوقي ضيف في النص التالي: وكان ذلك سببًا في أن يضطرب الرواة وأن يظن بعضهم أن زهيرًا غطفاني القبيلة، وهو في الحقيقة مزني النسب غطفاني النشأة والمربى، وقد صرّح ابنه كعب بهذا النسب إذ يقول في بعض شعره ردًّا على مزرّد بن ضرار وقد عزاه إلى مزينة:
هم الأصل مني حيث كنت وإنني من المزنيين المصفّين بالكرم 21
والسبب في ذلك أن أباه ولد له زهير وأولاده في منازل بني مرة وبني عبد اللّٰه بن غطفان,22 فالتبس نسبه على المؤرخين حيث نسبه بعضهم إلى مزينة وبعضهم إلى غطفان، والصواب ما ذهب العلامة الزركلي حيث قال: ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة، 23 ونشأ وتربى في بني غطفان.
واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني،24 وسلمى بضم السين قال في الصحاح: ليس في العرب سلمى بالضم غيره ورياح بكسر الراء وبعدها مثناة تحتية، 25 كان من مزينة مضر ،26 ومزينة كانت تجاور في الجاهلية بني عبد اللّٰه بن غطفان حيث كانوا ينزلون في الحاجر بنجد شرقي المدينة وينزل معهم بنو مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان أخوال أبيه ربيعة، ويحدثنا الرواة أنه أقام فيهم زمنًا مع أمه، وحدث أن أغار مع قوم منهم على طيئ وأصابوا نعمًا كثيرًا وأموالًا، ولما رجعوا لم يفردوا له سهمًا في غنائمهم، فغاضبهم وانطلق بأمه إلى قبيلته مزينة، ثم لم يلبث أن أقبل في جماعة منها مغيرًا على عشيرة أخواله، ولم يكادوا يتوسطون ديارها حتى تطايروا راجعين وتركوه وحده، فأقبل حتى دخل في أخواله، ولم يزل فيهم حتى توفي ومن ثم ولد له زهير وأولاده في منازل بني مرة وبني عبد اللّٰه بن غطفان... ويظهر أن ربيعة لم يعش طويلًا في عشيرة أخواله، ويقول الرواة إن امرأته تزوجت من بعده أوس بن حجر الشاعر التميمي المشهور. 27
ويعني هذا أن أباه ولو كان من مزينة؛ لكنه تربي في بني غطفان، وتزوج في قبيلة ذبيان بطن من بني غطفان، فولد له زهير وأولاد آخرون، ولم يلبث حتى توفي فتزوجت أم زهير مع بأوس بن حجر التميمي.
كان زهير بن أبي سلمى أخذ الشعر وتعلم قبل أن تزوجت أمه بالشاعر الشهير أوس بن حجر التميمي، كما ذكره الدكتور شوقي ضيف نقلًا عن صاحب الأغاني: ونص صاحب الأغاني على سلسلة من هؤلاء الشعراء الرواة الذين يأخذ بعضهم عن بعض، وقد بدأها بأوس بن حجر التميمي، فعنه أخذ الشعر ورواه حتى أجاد نظمه زهير بن أبى سلمى المزني، وكان له راويتان كعب ابنه والحطيئة .28 وكذلك أوضح العلامة الزركلي بعض جوانب حياة أوس بن حجر التميمي حيث قال: أوس بن حجر بن مالك التميمي، أبو شريح: شاعر تميم في الجاهلية، أو من كبار شعرائها في نسبه اختلاف بعد أبيه حجر وهو زوج أمّ زهير بن أبي سلمى كان كثير الأسفار، وأكثر إقامته عند عمرو بن هند، في الحيرة عمّر طويلًا، ولم يدرك الإسلام، في شعره حكمة ورقة، وكانت تميم تقدمه على سائر شعراء العرب وكان غزلًا مغرمًا بالنساء قال الأصمعي: أوس أشعر من زهير . 29
وبعد ما أخذ الشعر عن أوس بن حجر أخذه عن خاله بشامة بن غدير، وكان من أثرياء العرب قد تكفل بتربيته أيضًا، كما وضحه الزوزني بقوله: ليس بين أيدينا شيء واضح عن نشأة زهير سوى أنه عاش في منازل بني عبد اللّٰه بن غطفان وأخواله من بني مرة الذبيانيين، وفي كنف خاله بشامة بن الغدير.30 وأضاف إليه الدكتور شوقي ضیف فقال: وكان بشامة من أحزم الناس رأيًا فكان قومه يستشيرونه ويصدرون عن رأيه، ولم يكن له ولد، فلما حضرته الوفاة جعل يقسم ماله في أهل بيته وأعطى زهيرًا نصيبًا منه، ويروى أنه قال له: إنى أعطيتك ما هو أفضل من المال، فقال زهير: ما هو؟ فقال له: شعري، وهو لم يرث عنه شعره وماله فقط، بل ورث عنه أيضًا خلقه الكريم. 31وقال العلامة الزركلي في الأعلام: بشامة بن عمرو بن هلال المري: من شعراء المفضليات... واشتهر بقصيدة له أولها
هجرت أمامة هجرًا طويلًا 32
فملخص ما مرت الأقوال آنفًا أن زهيرًا كان معلمه الأول أوس بن حجر التميمي، ثم تتلمذ أمام على خاله، وأحبه خاله حبًا جمًا فورثه ماله الجليل وخلقه الكريم وشعره العظيم.
قضى زهير أيام صغره عند أخوال أبيه، ولما تزوجت أمه بزوج ثان فذهب إلى خاله وتربى عند بشامة بن غدير، يوضحه أبو عبد اللّٰه الزوني: وهنا يلمع في حياة زهير اسم خاله بشامة بن الغدير، فقد كفله هو وإخوته، وعرف منهم سلمى والخنساء، قال ابن الأعرابي: وكان بشامة بن الغدير خال زهير بن أبي سلمى، وكان زهير منقطعًا إليه وكان معجبًا بشعره وكان بشامة رجلًا مقعدًا ولم يكن له ولد، وكان مكثرًا من المال، ومن أجل ذلك نزل إلى هذا البيت في غطفان لخئولتهم .33
كما سبق أنه لم يرث عن خاله شعره وماله فقط، بل ورث عنه أيضًا خلقه الكريم ،34 وهو زاد إذا تزود به الرجل فيتميز به بين المجتمع كما ويفوق به على أصدقائه وزملائه، وضحه الزوزني بقوله: وكان زهیر شاعرًا مجيدًا كما كان سيدًا شريفًا ثريًا، يقول ابن سلام: وكان زهير كثير المال، وكان ممن فقأ عين بعير فى الجاهلية، وكان الرجل إذا ملك ألف بعير فقأ عين فحلها. 35فكانت حياته حافلة بحوادث هادئة و كارثة كوارث، منها حرب داحس والغبراء، ولا شك في صحة أن قيل: إنه عاش في ظلال السيوف والحروب كما أشار إليه الدكتور شوقي ضيف: وقد عاش زهير في خلال هذه الحروب التي نشبت بين عبس وذبيان، حروب داحس والغبراء... وقد أسهمت عشيرة أخواله في تلك الحروب وصليت نارها، وأيضًا فإنها صليت نيران حروب أخرى كانت تنشب بينها وبين بعض العشائر الذبيانية، وفي شعر خاله بشامة ما يصور تلك الحروب الأخيرة، فقد روى له صاحب المفضليات قصيدتين يحرض فيهما عشيرته أن لا يخذلوا حلفائهم الحرقة وأن يقفوا معهم ضد بعض العشائر من بني سعد بن ذبيان، ومعنى ذلك أن الأيام التي عاشها زهير في عشيرة أخواله الذبيانيين لم تكن أيام استقرار وأمن، إنما كانت أيام حروب وسفك للدماء، فدائمًا تشنّ الغارات، ودائما تجيش القلوب بالأضغان، فتسلّ السيوف وتقطع الرقاب. 36
فحياته عبارة عن أيام عسيرة، وأشغال صعبة، وحروب دامية، ومعارك حاسمة، وضرب وطعن، وهلاك وغرق، وقتل ونهب، ودم ودية؛ لكنه كان يشمئز من كل هذه الحوادث والكوارث، ويريد مكان بدلًا عن ذلك أمنًا وسلامًا، ومن ثم قال قصيدته المعلقة يذكر فيها قتل ورد بن حابس العبسي: هرم بن ضمضم المري، ويمدح فيها هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف، وسعد بن ذبيان المريين لأنهما احتملا ديته من مالهما، وكان زهير بعد ذلك يكثر من مدح هرم وأبيه سنان وله فيهما قصائد غر، فحلف هرم ألا يمدحه إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه. 37
يتضح منه أن زهير كان يتنفر من الحرب والجدل، وكان بصدد الأمن والسلام، فيمدح هرم بن سنان ويصفه بسبب أنه أدى دية عن دم مهراق حفظًا للقبائل من أن تتحارب فيما بينهم.
تزوج زهير من ثلاث نساء، فكان قد تزوج في بداية الأمر من امرأتين؛ لكنه لم تستقم حياته معهما كما وضحه المؤرخون: وفي أخباره أنه تزوج من امرأتين: أم أوفى وهي التى يذكرها كثيرًا في شعره، ويظهر أن المعيشة لم تستقم بينهما، فطلقها بعد أن ولدت منه أولادًا ماتوا جميعًا، والثانية التي تزوجها من بعدها هي كبشة بنت عمار الغطفانية، وهي أم أولاده: كعب وبجير وسالم، ومات سالم في حياته ورثاه ببعض شعره .38
ثم طلق الثانيةً أيضًا وندم على تطليقه بعد ذلك وأشار إليه الزوزني: هي أم ابنيه كعب وبجير، فغارت من ذلك وآذته فطلقها ثم ندم. 39 (ندم على تطليقه لأم أوفى ولم يطلق الثانية وهي كبشة بنت عمار. شامي)
فتزوج بامرأة ثالثة(إنه لم يتزوج بالثالثة أصلًا بل تزوج بأم أوفى وهي بنت خاله الغدير وأكثر ذكرها في شعره لحبه إياها، وأما الثانية فهي أيضًا من قبيلته الغطفان) فأنجبت له بنتًا، وهي التي التقيت ببنت هرم بن سنان- الذي مدحه زهير ومنحه هو- عندما كانت مع أم المؤمنين عائشة رضي اللّٰه عنها كما روي: أنه كانت لزهير بنت كانت شاعرة كذلك، ذكر أن بنت زهير دخلت على "عائشة"، وعندها بنت هرم بن سنان، فسألت- بنت زهير فقالت- بنت هرم: بنت زهير من أنت؟ قالت: أنا بنت زهير قالت: أوما أعطى أبي أباك ما أغناكم؟ قالت: إن أباك أعطى أبي ما فني، وإن أبي أعطى أباك ما بقي. 40
والمراد بقولها أن ما قال أبي أشعار وقصائد في مدح أبيك باق موجود إلى اليوم وما أعطاه أبوك من الأموال والجوائز فإنه معدوم، وقد أورد الإمام السيوطي في كتابه أبيات لها تؤدي هذا المفهوم حيث قالت
وإنّك إن أعطيتني ثمن الغنى حمدت الّذي أعطيت من ثمن الشّكر
وإن يفن ما تعطيه في اليوم أو غد فإنّ الّذي أعطيك يبقى على الدّهر41
وقد صدقت فيما قالته؛ فإن أشعاره وقصائده لا تزال تمثل دورًا بارزًا في التراث الجاهلي والأدب العربي، ومثله روي عن عمر رضي اللّٰه عنه أيضًا، أورده ابن قتيبة في كتابه: وكان جيّد شعره في هرم بن سنان المرّي، وقال عمر- رضي اللّٰه تعالى عنه- لبعض ولد هرم: أنشدني بعض ما قال فيكم زهير، فأنشده، فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن، فقال: يا أمير المؤمنين! إنّا كنّا نعطيه فنجزل، فقال عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. 42
وكان لزهير ابنان شاعران اعتنقا الإسلام، فأول من أسلم منهما كان بجير ثم دعا أخاه إليه، وأجابه أخوه بأشعار نقلها ابن هشام:
ألا أبلغا عني بجيرًا رسالة فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا؟
فبين لنا إن كنت لست بفاعل على أي شيء غير ذلك دلكا...
سقاك بها المأمون كأسا روية فأنهلك المأمون منها وعلكا 43
وقال ابن قتیبة في هذا الصدد: وذكر أنه لم يبق من الشعراء الذين كانوا يؤذونه إلا ابن الزّبعرى السهمي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وقد هربا منه، فإن كانت لك في نفسك حاجة فاقدم عليه، فإنّه لا يقتل أحدًا أتاه تائبًا، وإن أنت لم تفعل فانج بنفسك فلمّا ورد عليه الكتاب ضاقت عليه الأرض برحبها، وأرجف به من كان بحضرته من عدوّه، فقال قصيدته التى أوّلها
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وفيها قال
,نبّئت أنّ رسول اللّٰه أوعدني والعفو عند رسول اللّٰه(صلى اللّٰه عليه وآله وسلم) مأمول.44
ثم أتى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم فوضع يده في يده وأنشده شعره، فقبل توبته وعفا عنه، وكساه بردًا، فاشتراه منه معاوية بعشرين ألف درهم، فهو عند الخلفاء إلى اليوم .
لاشك في أن ابنيه قد أسلما إلا أن كعب بن زهير كان هجا النبي صلى اللّٰه عليه وآله وسلم ففهمه وخوفه بجير فاهتدى فقال قصيدة شهيرة في مدح الرسول صلى اللّٰه عليه وآله وسلم ثم أسلم على يده صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، ويدل عليها ما ذكره ابن هشام المعافري فقال:قال قصيدته التي يمدح فيها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة، كما ذكر لي، فغدا به إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم حين صلى الصبح، فصلى مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، ثم أشار له إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، فقال: هذا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، فقم إليه فاستأمنه فذكر لي أنه قام إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم لا يعرفه، فقال: يا رسول اللّٰه! إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبًا مسلمًا، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم: نعم، قال: أنا يا رسول اللّٰه! كعب بن زهير، قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنه وثب عليه رجل من الأنصار، فقال: يا رسول اللّٰه! دعني وعدو اللّٰه أضرب عنقه، فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم: دعه عنك، فإنه قد جاء تائبًا نازعًا. 45
فالرسول صلى اللّٰه عليه وآله وسلم قبل توبته وعفا عنه وكساه بردًا46، فاشتهرت قصيدته التي قالها في مدح النبي صلى اللّٰه عليه وآله وسلم باسم "القصيدة البردة"٭ ، وما زالت هي جمال الأدب العربي الخالص.
لم يرو في كتب التاريخ قول يدل على ممارسته الشعر في أول الأمر إلا أن ما نقله الزوزني من حكايته مع خاله بشامة تشير إليه، قال: فلما حضره الموت جعل يقسم ماله في أهل بيته وبين إخوته فأتاه زهير فقال: يا خولاه لو قسمت لي من مالك! فقال: واللّٰه يابن أختي لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله قال: وما هو؟ قال: شعري ورثتنيه وقد كان زهير قبل ذلك قال الشعر، وقد كان أول ما قال فقال له زهير: الشعر شيء ما قلته فكيف تعتد به علي؟ فقال بشامة: ومن أين جئت بهذا الشعر! لعلك ترى أنك جئت به من مزينة وقد علمت العرب أن حصاتها وعين مائها في الشعر لهذا الحي من غطفان ثم لي منهم، وقد رويته عني، وأحذاه نصيبًا من ماله ومات . 47
يدل هذا النص على أنه ورثه الشعر والمال كما يدل على أنه كان قد قال قبل ذلك شعرًا محتويًا على ذكر الحقول والعيون، ومن أجل ذلك سئل خاله فأجابه هو بجواب واضح تام، ومن ناحية أخرى يتضح منه أنه أخذ في الشعر حظًا وافرًا من غطفان وبشامة بن غدير، وهذا أمر بين لا ينكره أحد.
قد اتفق أهل العرب على أن زهيرًا كان له قدم راسخ في الشعر الجاهلي والأدب العربي، ويعدونه من طبقة الشعراء الأولى، فالمؤرخون مجمعون على تفوقه وتقدمه في الشعر والأدب إلا أنهم يختلفون في أشعرهم وأعظمهم منزلةً، وبصر النظر عن هذا الخلاف يفوق زهير بن أبي سلمى على أقرانه بخصائل خاصة، فيحكي ابن قتيبة قصة عمر الفاروق رضي اللّٰه عنه حيث قال: ويروى عن عمر بن الخطّاب رضي اللّٰه تعالى عنه أنه قال: أنشدوني لأشعر شعرائكم، قيل: ومن هو؟ قال: زهير، قيل: وبم صار كذلك؟ قال: كان لا يعاظل بين القول، ولا يتّبع حوشىي الكلام ولا يمدح الرجل إلّا بما هو فيه . 48
هذا النص يدل على أنه كان يأتي بكلام لا زيادة فيه ولا نقصان، ويمدح الرجل دون اطراء ومبالغة، فكان معدودًا من أشعر الشعراء، وصرح به أبو عبد اللّٰه الزوزني أيضًا حيث قال: وهو أحد الثلاثة المقدَّمين على سائر الشعراء، وإنما اختلفوا في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه وأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني .49 يظهر منه أن زهيرًا كان من الطبقة الأولى، ومن الشعراء الثلاثة المتفوقين على الآخرين، أما هؤلاء فيفوق بعضهم بعضًا في الأهليات والملكات، ونقدم اقتباسًا من "تاريخ العرب قبل الإسلام" توضيحًا لما ذكرناه:يوضح ما قلنا توضيحا كاملا فقال: ومن قدّم زهيرًا قال: كان أحسنهم شعرًا، وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعنى في قليل من المنطق، وأشدهم مبالغةً في المدح، وأكثرهم امتثالًا في شعره... ولزهير شعر سبق به غيره، فأخذه الشعراء منه وضمنوه شعرهم، وقد ذكر العلماء أمثلة على ذلك، ويروى أن لزهير سبع قصائد نظم كلًا منها في عام كامل، ومن ثم سميت: الحوليات . 50
أما صفة قصائده وطرازه فيقول الزوزني: وكان زهير شديد العناية بتنقيح شعره، حتى ضُرب به المثل، وسميت قصائده بالحوليات، نسبة إلى الحول أي: السنة، وذلك لأنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، ويهذبها بنفسه في أربعة أشهر، ويعرضها على أصحابه الشعراء في أربعة أشهر، فلا يشهرها حتى يأتي عليها حول كامل . 51 فلما كانت قصائده تستغرق حولًا كاملًا في تنقيحها وتهذيبها وإضافتها وحذفها فأطلقت عليها "الحوليات"، وهذا كان دأبه الخاص، وبه تمتاز قصائده وأشعاره عن الآخرين.
فأشعاره وقصائده تأتي في أروع نموذج عربي، وأجمل شكل أدبي بعد أن كان زهير ينقحها ويهذبها خطوةً بعد خطوة، فكان العرب يأخذون منها بحظ وافر مع ثناء عباقرة الأدب العربي أياه عليها كما أشار إليه الدكتور جواد علي بقوله: وقد ثمن شعره وقدره العلماء قال الثعالبي فيه: إنه أجمع الشعراء للكثير من المعاني في القليل من الألفاظ، وفي معلقته أبيات في نهاية الحسن والجودة، وقد جرت مجرى الأمثال الرائعة .52 وذكر ابن قتيبة شعرًا سائرًا على ألسنة العرب فقال: قال عكرمة بن جرير: قلت لأبي: من أشعر الناس؟ قال: أجاهليّة أم إسلاميّة؟ قلت: جاهليّة، قال: زهير، قلت: فالإسلام؟ قال:الفرزدق...، قال عبد الملك لقوم من الشعراء: أي بيت أمدح؟ فاتّفقوا على بيت زهير:
راه إذا ما جئته متهلّلًا كأنّك تعطيه الّذى أنت سائله 53وهذا يعني أن شعره من أفضل الأشعار المقولة في المدح عند أهل النظر الثاقب والخبرة القوية في الشعر والأدب، وتفصيله مذكور في الشعر والشعراء لابن قتيبة الدينوري، ما يدل على أن كبار الشعراء آنذاك يعجبون بأشعاره ويمدحونه عليه، ولذلك علقت قصيدته على جدران الكعبة المشرفة، يصرح عليه الاقتباس التالي: نشأ زهير فيهم، وهناك قال قصيدته المعلقة يذكر فيها قتل ورد بن حابس العبسي هَرِمَ بن ضَمْضَم المري، ويمدح فيها هرم بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عوف، وسعد بن ذبيان المريين؛ لأنهما احتملا ديته من مالهما وكان زهير بعد ذلك يكثر من مدح هَرِم وأبيه سنان وله فيهما قصائد غُر فحلف هرم ألا يمدحه إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه ولا يسلم عليه إلا أعطاه عبدًا أو وليدة أو فرسًا فاستحيا زهير من كثرة بذله له على كل حال، وجعل يتجنب مقابلته. 54
وكذلك يذكر الدكتور جواد علي كرم هرم بن سنان وجوده، وما مدحه زهير بأشعار حيث قال: وهرم بن سنان المُريّ، من أجواد الجاهلية أيضًا، وهو سيد غطفان وكان والده سيّد غطفان كذلك، وقد مدحه الشاعر زهير بن أبي سلمى في أبيات لا يزال الناس يحفظونها ويذكرونها عن هرم، وقد كان هرم أعطاه مالًا كثيرًا من خيل وإبل وثياب وغير ذلك مما أغناه، وفيه ورد المثل: أجود من هرم . 55
يدل هذا النص على تبين به أن قصيدة زهير التي قالها في مدح هرم اشتهرت على ألسنة الناس حتى كانوا يحفظونها ويتجاذبون بها في أوساطهم وأنديتهم، كما يشهد لذلك قول عمر الفاروق رضي اللّٰه تعالى عنه، حيث طلب إنشاد أشعار زهير، وهي التي شملها العرب في المعلقات السبعة.
قصيدته المعدودة من المعلقات السبعة إنها في الحقيقة كانت أروع الألفاظ وأحسن المعاني وأبلغ التعبيرات وأجمل الاستعارات، وغيرها كثير من المعاني الحسنة تشتملها، فيقول الزوزني بصدد ذلك. معلقة زهير أشعر شعره وقد جمعت ما أشبه كلام الأنبياء، وحكمة الحكماء ففيها الحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والأخلاق الفاضلة، والمعاني العالية والأغراض النبيلة، أضف إلى ذلك ما حوته من الأساليب البلاغية، والكلام الْجَزْل وقد أنشأها يمدح بها: الحارث بن عوف، وهرم بن سنان المريين، ويذكر سعيهما بالصلح بين عبس وذبيان، وتحملهما ديته من مالهما. 56
وكذا من مزاياه أن عمر رضي اللّٰه تعالى عنه قال في فيه: كان لا يعاظل بين القول، ولا يتّبع حوشىي الكلام ولا يمدح الرجل إلّا بما هو فيه 57، ونظرًا إلى هذه الميزات إن قصيدته المعلقة من أهم القصائد وأفضلها عند الناس قاطبةً، ونقدم هنا بعض أشعارها الدالة على أنها كانت تحمل جميع المعاني الحسنة في طياتها وهي
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله رجال بنوه من قريش وجرهم
يمينا لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما: إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من القول نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن بعيدين فيها من عقوق ومأثم58
إن أبياته هذه تمدح دون أن تبالغ فيه ولا تكذب في الواقع، بل تبين الحقيقة الواقعة كما هي هي، وبعد أن أمعن النظر في قصيدته يرى أنه مدح رجال يريدون الأمن والسلام، والقيم الإنسانية في المجتمع البشري.
كان زهير يؤصل يبتكر في نقد أشعاره وتنقيحها أصولًا خاصةً تزداد بها أبياته وقصائده فصاحةً وبلاغةً ترى في جميع أشعاره وأبياته، ولذلك يحب عمر رضي اللّٰه تعالى عنه أن يسمع من كلام زهير زمنًا بعد زمن، وفي هذا المساق يقول صاحب جمهرة أشعار العرب: ذكر أبو عبيدة عن الشعبي يرفعه إلى عبد اللّٰه بن عباس- رضي اللّٰه تعالى عنهما- قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، في سفر فبينا نحن نسير... قال: يا ابن عباس! ألا تنشدني لشاعر الشعراء! فقلت: يا أمير المؤمنين! ومن شاعر الشعراء؟ قال: زهير! قلت: لم صيرته شاعر الشعراء؟ قال: لأنه لا يعاظل بين الكلامين، ولا يتتبع وحشي الكلام، ولا يمدح أحدًا بغير ما فيه، قال أبو عبيدة: صدق أمير المؤمنين، ولشعره ديباجة إن شئت قلت شهد إن مسسته ذاب، وإن شئت قلت صخر لو رديت به الجبال لأزالها. 59
ويشير الزوني إلى محاسن المعاني في كلامه بقوله: امتاز زهير بما نظمه من منثور الحكمة البالغة، وكثرة الأمثال وسنيِّ المدح، وتجنُّب وحشي الكلام، وعدم مدح أحد إلا بما فيه وقد كان أحسن الشعراء شعرًا، وأبعدهم عن سخف الكلام، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من اللفظ وكان لزهير أخلاق عالية، ونفس كبيرة، مع سعة صدر وحلم وورع، فرفع القوم منزلته وجعلوه سيدًا وكثر ماله واتسعت ثروته وكان مع ذلك عريقًا في الشعر، وكان لشعره تأثير كثير في نفوس العرب وهو واسطة عقد الفحول من شعراء الطبقة الأولى.60
فيتضح من النصوص المذكورة أن أشعاره كانت على قمة من البلاغة والفصاحة، محتوية على الحقائق الواقعة دون أن تبين تقديم الأفكار الخيالية، فكانت توافق الفطرة الإنسانية السليمة، ولذلك كان زهير فائقًا بين أقرانه من الشعراء الفصحاء البلغاء.
زعم بعض المؤرخين أن زهيرًا قد أدرك الإسلام واعتنقه؛ لكنه زعم خاطئ، والحق أنه لم يدرك زمن الإسلام حتى اعتنقه، نعم، إن أبياته تدل على أنه كان من الموحدين وكان على الفطرة، ويشير إليه النص التالي: أما والده زهير، فقد توفي قبل المبعث ولا صحة لما ذكره البعض من أنه لقي الرسول صلى اللّٰه عليه وآله وسلم، قد زعم أنه رأى رؤيًا في منامه أن سببًا تدلى من السماء إلى الأرض وكان الناس يمسكونه، فأوله بنبي آخر الزمان، وأن مدته لا تصل إلى زمن بعثه، وأوصى بنيه أن يؤمنوا به عند ظهوره ثم توفي قبل المبعث بسنة . 61
وكان من الشعراء الذين كانوا يؤمنون بالبعث والنشور بعد الممات، كما ذهب إليه أبو زيد القرشي حيث قال: ذكر أبو عبيدة عن قتيبة بن شبيب بن العوام بن زهير عن آبائه الذين أدركوا بجيرًا وكعبًا ابني زهير قال: كان أبي من مترهبة العرب، وكان يقول: ولا أن تفندون لسجدت للذي يحيي هذه بعد موتها! قال: ثم إن زهيرًا رأى قبل موته بسنة في نومه كأنه رفع إلى السماء حتى كاد يمس السماء بيده، ثم انقطعت به الحبال، فدعا بنيه فقال: يا بني! رأيت كذا وكذا، وإنه سيكون بعدي أمر يعلو من اتبعه ويفلح، فخذوا بحظكم منه، ثم لم يعش إلا يسيرًا حتى هلك، فلم يحل الحول حتى بعث رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم . 62
وقد ذهب بعض الناس إلى أنه كان نصرانيًا؛ لأنه ينشد أشعارًا تدل على عقيدة التوحيد والفطرة الإنسانية والقيم الأخلاقية، وغيرها، كما يوضحه الاقتباس التالي: وفي شعر زهير، زهد ووعظ وتهذيب، حمل بعض الباحثين على اعتباره نصرانيًا، ويشك "بروكلمان" في ذلك، إذ يرى أن أثر النصرانية وإن كان واسع الانتشار في جزيرة العرب في ذلك الوقت، بيد أنه لا توجد لدينا أدلة تحملنا على جعله نصرانيا . 63 وذكر ابن قتيبة في هذا المساق: وكان زهير يتألّه ويتعفّف في شعره ويدلّ شعره على إيمانه بالبعث وذلك قوله
يؤخّر فيودع في كتاب فيدّخر ليوم الحساب أو يعجّل فينقم 64
فيتضح من هذا البسط أن زهيرًا ولو لم يدرك زمن الإسلام إلا أنه أوصى بنيه بأن يؤمنوا بنبي مبعوث- صلى اللّٰه عليه وآله وسلم- كما اتضح أنه لم يكن مشركًا بل موحدًا يؤمن بالحيات بعد الممات ويهدد الناس بفناء الدنيا وما فيها يومًا ما.
توفي زهير قبل البعثة النبوية على صاحبها ألف تحيات وتسليمات بسنة، ونظرًا إلى ذلك توفي عام ست مئة وتسع 609 من الميلاد؛ لكن الدكتور جواد علي قال: يظهر من شعر ينسب إليه أنه عاش أكثر من مئة سن. 65 زهير بن أبي سلمى كان شاعرًا جاهليًا، لعب شعره دورًا هامًا في الأدب الجاهلي كما أغدق الشعر العربي بأفكار مثقفة وعناوين متنوعة، فلم ينظم أشعارًا خياليةً تصوريةً بل ركز ذهنه في الحقائق الأرضية وأطبق عليها شعره، عاش في عصر الجاهلية عفيفًا جديًا، ومن مزاياه أنه قال قصائد عديدة إلا أنه يمدح في إحدى منها مدحًا كذبًا ولا اطراءً، ومدح الرجل بما فيه من الأوصاف والمحاسن وإلا فلم يكن زهير يمدح أحدًا بما ليس فيه شيء، ومن ثم كان عمر الفاروق رضي اللّٰه تعالى عنه يقدمه على الشعراء الآخرين، والجانب المهم من حياته أنه كان في زمان يحب العرب فيه حربًا وضربًا، شن الغارات وهتك الحرمات، ومن دأبهم أن من حارب بجرأة وشجاعة في ميدان الحرب فيحترمونه ويوقرونه، والأعجب المدهش أنه كان في مجتمعهم الجاهلي، جديًا متمسكًا بالحقائق الواقعية، واتضح منه أن الفطرة الإنسانية تبحث عن الأمن والسلام بشرط أن لا تؤثره الدوافع الخارجية بشدة شديدة، وقد بعث الرسول صلى اللّٰه عليه وآله وسلم بأمن وسلام، وخير وسكينة، وكان أصحابه رضي اللّٰه عنهم أروع نموذج وأكمل مثال للأمن والسلام في العالم.