Encyclopedia of Muhammad

غزوة الخندق

وقعت غزوة الخندق في شوال، سنة خمس من الهجرة. 1 خرج فيها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ومن معه من المسلمين في ثلاثة آلاف رجل. 2 وقد سمّيت هذه الغزوة بوقعة الأحزاب أيضًا؛ لأن الآيات سمّت الزاحفين الغزاة بالأحزاب. 3 ومن حديثها أن نفرًا من اليهود حزبوا الأحزاب على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وخرجوا حتى قدموا على قريش مكة، فدعوهم إلى حرب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له. ولما سمع بهم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة. 4 وعندما وصل كفار مكة قرب المدينة وجدوا أمامهم الخندق فاندهشوا منه؛ لأن هذه الحيلة الحربية لم تكن تعرفها العرب من قبل، فحاصروا المدينة لمدة شهر؛ ولكن الريح والظلمة والبرد القاسية أرغمتهم بالرحيل ورفع الحصار.

سببها

يذكر في سببها أن النبي صلى اللّٰه عليه وسلم لما أجلى بني النضير من المدينة المنورة، وساروا إلى خيبر؛ لما كانوا يثيرون الفساد فيها، فكانوا قد أضمروا في قلوبهم الحقد والحسد للنبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فاجتمع بعض أشرافهم ورؤسائهم منهم حيي بن أخطب النضري وكنانة بن أبي الحقيق النضري وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار الوائلي وغيرهم، وخرجوا إلى مكة يدعون قريشًا وأتباعها إلى حرب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدًا، جئنا لنحالفكم على عدواته وقتاله، فنشطت قريش لذلك وتذكروا أحقادهم ببدر، فرحب بهم أبو سفيان قائلًا: أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد؛ لأنه كان يحقد النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فسألهم أبو سفيان بعض الأسئلة مختبرًا. فقال: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأوّل والعلم، أخبرونا عمّا أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد: أديننا خير أم دينه؟ فنحن عمّار البيت، ننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام؟ فأجابوا: اللّٰهم أنتم أولى بالحقّ منه، إنكم لتعظّمون هذا البيت، وتقومون على السّقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم، فأنتم أولى بالحقّ منه. 5

رغم أن اليهود كانوا أهل الكتاب، ويعرفون أن كفار مكة لم يكونوا على الهدى وأنهم كانوا وثنيين، مع ذلك تحالفوا وتضامنوا معهم وكتموا الحق وأيدوهم عناداً، وقد لعنهم اللّٰه على كتمانهم للحق بقوله تعالى:

  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا 51 أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا 52 أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا 53 أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا 54 فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا 55 6

فتحالفوا وتعاقدوا - وقد ألصقوا أكبادهم بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها - ألا يخذل بعضهم بعضًا، ولتكونن كلمتهم واحدة على محمد ما بقي منهم رجل. 7 ثم سارت قريش تدعو العرب إلى نصرها فألبوا أحابيشهم ومن تبعهم، وخرجوا في أربعة آلاف، وعقدوا اللّواء في دار النّدوة، وحمله عثمان بن طلحة - أسلم بعد ذلك- وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير.

استشارة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم أصحابه

لما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربعة ليال حتى أخبروا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فلما سمع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بما أجمعوا عليه، ندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم في أمرهم، وقال لهم: هل نبرز من المدينة أن نكون فيها؟ فأشير عليه بالخندق، وأشار عليه بذلك سلمان الفارسي رضي اللّٰه تعالى عنه. فقال: يا رسول اللّٰه، إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا. فأعجبهم ذلك، فضرب على المدينة الخندق. 8

خروج أهل مكة وحفر الخندق

قد خرجت قريش مع حلفاءها إلى المدينة المنورة في عشرة آلاف 9 من الجنود المجندة، وقادت معها أربعة آلاف جندي ونحو ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير، ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظّهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس وهو أبو أبي الأعور السّلميّ، وخرجت فزارة في ألف بعير يقودهم عيينة بن حصن، وخرجت أشجع في أربعمائة وعلى رأسهم مسعود بن رخيلة، وبنو مرة في أربعمائة بقيادة الحارث بن عوف. وأما موقع المدينة من حيث الدفاع فكانت مصونة من جميع جهاتها إلا الشمالية؛ لأنها الناحية الوحيدة المكشوفة التي لا بد لأي غاز يريد احتلال المدينة من أن يتجه إليها. وأما الجهات الأخرى من أطرافها محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة الأخرى، والأبنية المتشابكة والحواجز الطبيعية الصعبة التي لا تسمح لقوات الأحزاب الكبيرة أن تقوم بإجراء أي قتال على نطاق واسع كما تريد، فالناحية الوحيدة الصالحة للقتال (كما يريد قادة الأحزاب) هي الناحية الشمالية للمدينة حيث المسالك الواسعة والميادين الفسيحة، دونما حواحز طبيعية تذكر، وهذه الناحية هي التي قرر الرسول صلى اللّٰه عليه وسلم حفر الخندق فيها. 10 فخطّ صلى اللّٰه عليه وسلم أوّلًا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا. وفي رواية: لكل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من يهود بنى قريظة لحفر الخندق المعاول والفؤس والمكاتل والقدوم والمرو المسحاة وغير ذلك. وكانت يومئذ بينهم وبين النبى صلى اللّٰه عليه وسلم مهادنة ومعاهدة وهم يكرهون مسير قريش إلى المدينة. 11

ضربت لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم قبة من أديم أحمر على القرن فى موضع مسجد الفتح والخندق بينه وبين المشركين، وأخذ الصحابة رضي اللّٰه عنهم يحفرون الخندق من الصباح إلى المساء، وكان النبي صلى اللّٰه عليه وسلم يحفر معهم مغبرا بالتراب. فمن المسلمين من يحفر الخندق، وبعضهم ينقل ترابه، في برد قارس وجوع شديد، وكان ما لديهم من المطاعم والأقوات على وشك الانتهاء، لايأكلون إلا حفنة شعير، يشدون الأحجار على بطونهم من شدة الجوع، وكان النبي صلى اللّٰه عليه وسلم ينقل تراب الخندق حتى وارى التراب جلدة بطنه، وهو صلى اللّٰه عليه وسلم يقول:

  لولا  انت  ما اهتدينا     ولا  تصدقنا  ولا   صلينا
فأنزل السكينة  علينا    وثبت الاقدام ان لا قينا
ان الالى قد بغو ا علينا    اذا  ارادو  فتنة  ابينا 12

فلبثوا عدة أيام في حفر الخندق، ولما رآى النبي عليه الصلاة والسلام ما بهم من الجوع والنصب، قال:

  اللّٰهم لا عيش الا عيش الاخرة     فاغفر  للانصار  والمهاجرة.

وكان أصحابه صلى اللّٰه عليه وسلم يقولون:

  نحن    الذين    بايعوا   محمدا    على  الاسلام ما بقينا ابدا. 13

فكان الصحابة يعملون في الحفر طيلة النهار ولا يستريحون إلا في الليل والنبي عليه الصلاة والسلام يحفر بيده الكريمة ويشرف بنفسه على أعمال الحفر. فإذا بكدية قاسية عرضت فجاؤوا إلى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم وقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام المعول وبطنه مشدود بحجر من شدة الجوع وقال: ((بسم اللّٰه)) وضرب ضربةً فكسر ثلثها وبرقت برقةً، فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم، فكبر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. وقال: (( أعطيت مفاتيح اليمن، إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب )) ثم ضرب الثانية فقطع ثلثًا آخر، فخرج نور من قبل الروم، فكبر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم. وقال: (( أعطيت مفاتيح الشام، واللّٰه إني لأبصر قصورها الحمر )). ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر، وبرق برقةً فكبر. وقال: (( أعطيت مفاتيح فارس، واللّٰه إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب في مكاني هذا )) ( ). 14

ولما بشر النبي عليه الصلاة والسلام بهذه البشارة، استبشر بها المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر. فقال المنافقون، منهم معتب بن قشير: ألا تعجبون من محمد، يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق لاتستطيعون أن تبرزوا. فأنزل اللّٰه سبحانه وتعالى:

  وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا 12. 15

رد اللّٰه تعالى في هذه الآية على المنافقين ردا عنيفا حتى سماهم المنافقين، وأن في قلوبهم مرض النفاق. فجعل المنافقون يورون بالضعيف من العمل ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها، يذكر ذلك لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله، رغبةً في الخير، واحتسابًا له. 16 وأنزل اللّٰه تعالى في شأنهم:

  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 62. 17

ثم قال تعالى، يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل، ويذهبون بغير إذن من النبي صلى اللّٰه عليه وسلم:

  لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 63 18

فنزلت هذه الآية فيمن كان من المنافقين. 19 كان الصحابة رضي اللّٰه عنهم يحفرون الخندق والنبي صلى اللّٰه عليه وسلم قائدهم حتى تم إنجازه في عدة أيام، فكان طوله ثلاثة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، أما عمقه فكان خمسة أذرع تقريبا. 20

ظهور المعجزات بيد النبي صلى اللّٰه عليه وسلم

كان المسلمون زمن غزوة الخندق في أوضاع حرجة صعبة، ما كان عندهم من الملابس الدافئة، حيث كانت البرودة شديدة، ولكن مع ذلك كانوا صامدين أمام الأعداء بإيمانهم القوي، بينما ظهرت أثناء حفر الخندق على يد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم آيات ومعجزات زادتهم إيمانا وعزما. منها ما روت ابنة لبشير بن سعد أن أمي عمرة بنت رواحة دعتني فأعطتني حفنةً من تمر في ثوبي. ثم قالت: أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد اللّٰه بغذائهما. فانطلقت بها فمررت برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي. فقال: (( ما هذا معك؟ )) قلت: تمر بعثت به أمي إلى أبي وخالي. قال: (( هاتيه )) فصببته في كفي رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فما ملأتهما، ثم أمر بثوب فبسط، ثم دحا بالتمر عليه وفتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: (( اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغذاء )) فاجتمعوا فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب. 21

وكذلك روي أن جابرًا رضي اللّٰه عنه رأى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يوم الخندق عاصبًا بطنه بحجر من الجوع وأنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقًا. قال جابر: فاستأذنت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى المنزل فأذن لي، فذهبت فقلت لامرأتي: أني رأيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم خمصًا شديدًا، ما فيّ ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي صاع من شعير وعناق، فأخرجت إناء فيه صاع من شعير، وذبحت العناق، وطحنت الشعير، وجعلنا اللّحم في البرمة. فلما انكسر العجين وكادت البرمة أن تنضج وأمسينا، وأراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم الانصراف - قال: وكنا نعمل نهارًا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا - قالت لي: لا تفضحني برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ومن معه. فأتيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فساررته فقلت: طعيم لي، فقم أنت يا رسول اللّٰه ورجل أو رجلان. فشبّك أصابعه في أصابعي. وقال: (( كم هو؟ )) فذكرت له. فقال: (( كثير طيّب، لا تنزلنّ برمتكم، ولا تخبزنّ عجينكم حتى أجيء، وصاح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: يا أهل الخندق، إن جابرًا قد صنع لكم سورًا فحيّ، هلا بكم )). وصار رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يقدم الناس، ولقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا اللّٰه تبارك وتعالى. وقلت: جاء الخلق، واللّٰه إنها للفضيحة على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي. فقلت: ويحك، جاء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. فقالت: بك وبك. وفي رواية: هل سألك؟ قلت: نعم. وفي رواية: قالت: أنت دعوتهم أو هو؟ قلت: بل هو دعاهم. قالت: دعهم. اللّٰه ورسوله أعلم، نحن قد أخبرناه بما عندنا. فكشفت عنّي. فدخل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم وقال: (( ادخلوا عشرة عشرة، ولا تضاغطوا )). فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك. فقال لنا: (( اخبزوا واغرفوا وغطّوا البرمة، ثم أخرجوا الخبز من التّنّور، وغطّوا الخبز )). ففعلنا، فجعلنا نغرف ويغطّي البرمة، ثم يفتحها فما نراها نقصت شيئًا، ويخرج الخبز من التّنّور، ثم يغطّيه فما نراه نقص شيئًا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويقرّب إلى أصحابه ويقول لهم: (( كلوا )). فإذا شبع قوم قاموا، ثم دعا غيرهم حتى أكلوا وهم ألف، وانحرفوا وإن برمتنا لتغطّ كما هي، وإنّ عجيننا ليخبز كما هو، فقال: (( كلوا واهدوا، فإنّ الناس أصابتهم مجاعة شديدة )). فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع، فلّما خرج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ذهب ذلك. 22 فكفاهم ذلك الطعام القليل، ولم يكن ذلك إلا ببركة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم.

خيبة المشركين

لما فرغ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بن كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد. 23 وخرج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم في ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذى القعدة حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، فضرب هناك عسكره والخندق بينهم وبين المشركين، وكان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة، وكان شعار أصحاب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة، حم لاينصرون. 24 ولما وصل جيش العدو قريبا من المدينة المنورة فقد وقف قادته حائرين أمام هذه المكيدة الكبيرة (الخندق)؛ لأن هذه المكيدة ما كان العرب يكيدونها ولا يعرفون عنها شيئًا في تاريخهم الطويل. 25

مؤامرة اليهود الخائبة

كان أبو سفيان قائد الأحزاب، طاف بجيمع نواحى الخندق، وتأكد من صعوبة اقتحامه، وبعد ذلك أرسل إلى أشراف اليهود، منهم حيي بن أخطب، سيد بني النضير، وكان معهم، يقول لقريش في مسيره معهم: إن قومي بني قريظة معكم وهم أهل حلقة وافرة، وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلًا. فقال له أبو سفيان: ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد صلى اللّٰه عليه وسلم، فعند ذلك خرج حيي - لعنه اللّٰه - حتى أتى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة، وولي عهدهم الذي عاهدهم عليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فدقّ عليه باب حصنه، فأبي أن يفتح له وألح عليه في ذلك. فقال له: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشؤوم، وإني قد عاهدت محمدًا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاءً وصدقًا. فقال له: ويحك افتح لي، أكلمك. فقال: ما أنا بفاعل، فغاظه. فقال له: واللّٰه ما أغلقت دوني إلا تخوفًا على جشيشتك 26 أن آكل معك منها، ففتح له. فقال له: ويحك يا كعب، جئت بعز الدهر، جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال، وبغطفان حتى أنزلتهم بجانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدًا ومن معه. فقال له كعب: جئتني واللّٰه بذل الدهر، وكل ما يخشى، فإني لم أر في محمد إلا صدقًا ووفاءً. وفي لفظ: جئتني بجهام، أي: سحاب قد هراق ماء، أي: لا ماء فيه، يرعد ويبرق، وليس فيه شيء، ويحك يا حيي، دعني وما أنا عليه. فلم يزل حيي بكعب حتى أعطاه عهدًا من اللّٰه وميثاقًا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يقتلوا محمدًا أن يكون معه في حصنه ويصيبه ما أصابه، فعند ذلك نقض كعب العهد. 27

ولما انتهى الخبر إلى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم والمسلمين فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( حسبنا اللّٰه ونعم الوكيل ))، وبعث صلّى اللّٰه عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بنى عبد الأشهل وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بنى ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد اللّٰه بن رواحة أخو بلحارث وخوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف ليعرفوا الخبر فقال: (( انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا )) فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم. قالوا: من رسول اللّٰه؟ تبرؤا من عقده وعهده. وقالوا: لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد. فشاتمهم سعد بن عبادة، وشاتموه وكان رجلًا فيه حدّة. فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم فما بينهم وبيننا أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومن معهما إلى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم، فأخبروه وقالوا: عضل والقارة أي: كغدرهما بأصحاب الرجيع. 28 ولما فشا بين المسلمين خبر نقض عهد بنى قريظة اشتدّ الخوف وعظم عند ذلك البلاء وبلغ حالهم إلى أقصى الحراجة والتأزم، ولقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك الحرج بقوله عز وجل:

  إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 10 هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا11 29

قد ثبت المؤمنون على إيمانهم ولم يزد توتر الحالة وتدهور الموقف إلا تمسكًا بدينهم والتفافًا حول نبيهم، أما المنافقون فقد كشفتهم هذه التطورات الخطيرة بأنهم كذابون مخادعون يظهرون ما لايبطنون، فمنهم من ولّى مسبقًا، وذهب بعضهم ليلتحقوا بأهلهم كي يحافظوهم عن هجوم اليهود، وقد أخبر اللّٰه تعالى عنهم قائلًا:

  وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا 13 30

وانصرف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى أصحابه، وهم في بلاء شديد يخافون أشد من يوم أحد، فقالوا حين رأوا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم مقبلًا: ما وراءك يا رسول اللّٰه؟ قال: (( خير، فأبشروا )). ثم تقنّع بثوبه فاضطجع ومكث طويلًا. واشتد عليهم البلاء والخوف حين رأوا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم اضطجع، وعرفوا أنه لم يأته من بني قريظة خير، ثم إنه رفع رأسه فقال: (( أبشروا بفتح اللّٰه ونصره )). 31

شجاعة صفية بنت عبد المطلب

بدأت اليهود بعدما نقضت العهد تتسلل إلى الأماكن التي احتفظت بها نساء المسلمين وأطفالهم، فلحظت صفية بنت عبد المطلب - وهي عمة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم- يهوديًا يتسلل إلى أطم من آطام المسلمين، فيه الصبيان والنساء. فقالت لحسان بن ثابت رضي اللّٰه تعالى عنه: إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني واللّٰه ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. قال: يغفر اللّٰه لك يا ابنة عبد المطلب، واللّٰه لقد علمت ما أنا بصاحب هذا. ولما تلقت هذا من حسان فأخذت عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. 32 ثم قالت لحسان: خذ الرّأس وارم به على اليهود، قال: ما ذاك في، فأخذت هي الرّأس فرمت به على اليهود. فقالوا: قد علمنا أن محمدًا لم يترك له خلوفًا ليس معهم أحد، فتفرّقوا. 33

محاولة فاشلة لاجتياز الخندق

وقف الكفار على مشارف الخندق، وقد شل حركة جيوشهم وهم يقفون أمامه مكتوفي الأيدي حائرين. قالوا: واللّٰه! إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها . فكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبى وهب يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما، فلا يزالون ‌يجيلون ‌خيلهم ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى، ويناوشون أصحاب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، ويقدمون رماتهم فيرمون. 34 ومكثوا على ذلك مدة، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار. وفي تلك المدة أقبل نوفل بن عبد اللّٰه بن المغيرة على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله اللّٰه، أي: اندقت عنقه، أي: وفي لفظ: وأما نوفل بن عبد اللّٰه، فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعًا. وقيل رمي بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب؟ فنزل إليه علي كرم اللّٰه وجهه فقتله، أي: ضربه بالسيف فقطعه نصفين. 35

فكان الصحابة رضي اللّٰه عنهم يحرسون الخندق وقبة النبي عليه الصلاة والسلام، والرسول صلى اللّٰه عليه وسلم أيضًا كان يخرج حينًا بعد حين يحرس الثغرة التي كانت في الخندق. تقول أم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي اللّٰه تعالى عنها: كنت مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في الخندق فلم أفارقه مقامه كله، وكان يحرس بنفسه في الخندق، وكنا في قُرّ شديد، فإني لأنظر إليه قام فصلى ما شاء اللّٰه أن يصلي في قبته، ثم خرج فنظر ساعةً فأسمعه يقول: (( هذه خيل المشركين تطيف بالخندق، من لهم؟ ثم نادى: يا عباد بن بشر )). فقال عباد: لبيك، قال: (( أمعك أحد؟ )) قال: نعم، أنا في نفر من أصحابي كنا حول قبتك. قال: (( فانطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيل من خيلهم تطيف بكم يطمعون أن يصيبوا منكم غرة. اللّٰهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم واغلبهم، لا يغلبهم غيرك )). فخرج عباد بن بشر في أصحابه، فإذا بأبي سفيان في خيل من المشركين يطيفون بمضيق الخندق. وقد نذر بهم المسلمون، فرموهم بالحجارة والنبل. فوقفنا معهم فرميناهم حتى أذلقناهم بالرمي، فانكشفوا راجعين إلى منزلهم.36

قد مضى على الحصار عشرون يومًا، ثم أجمع رؤساء الأحزاب أن يغدوا جميعًا، فغدا أبو سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبد اللّٰه المخزومي، وعمرو بن عبد، ونوفل بن معاوية الديلي في عدة، فجعلوا يطيفون بالخندق، ومعه رؤساء غطفان - عيينة بن حصن، ومسعود بن رخيلة، والحارث بن عوف، ومن سليم رؤساؤهم، ومن بني أسد طليحة بن خويلد. وتركوا الرجال منهم خلوفًا، يطلبون مضيقًا يريدون يقتحمون خيلهم إلى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم وأصحابه، فانتهوا إلى مكان قد أغفله المسلمون، فجعلوا يكرهون خيلهم، ويقولون: هذه المكيدة، ما كانت العرب تصنعها ولا تكيدها. قالوا: إن معه رجلًا فارسيًا، فهو الذي أشار عليهم بهذا، قالوا: فمن هناك إذًا؟ فعبر عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد اللّٰه، وضرار ابن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد، وقام سائر المشركين من وراء الخندق لا يعبرون، وقيل لأبي سفيان: ألا تعبر؟ قال: قد عبرتم، فإن احتجتم إلينا عبرنا. فجعل عمرو بن عبد يدعو إلى البراز ويقول:

  ولقد بححت من الندا   ء لجمعكم هل من مبارز

وعمرو يومئذ ثائر، قد شهد بدرًا فارتث جريحًا فلم يشهد أحدًا، وحرم الدهن حتى يثأر من محمد وأصحابه، وهو يومئذ كبير، يقال: بلغ تسعين سنةً. فلما دعا إلى البراز قال علي رضي اللّٰه عنه: أنا أبارزه يا رسول اللّٰه، ثلاث مرات، وإن المسلمين يومئذٍ كأن على رءوسهم الطير؛ لمكان عمرو وشجاعته. فأعطاه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم سيفه، وعمّمه وقال: (( اللّٰهم أعنه عليه )). 37 فمشى إليه علي كرم اللّٰه تعالى وجهه. فقال له: يا عمرو، إنك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاثة إلا قبلتها. قال: أجل. فقال علي رضي اللّٰه عنه: فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا اللّٰه وأن محمدًا رسول اللّٰه وتسلم لرب العالمين. فقال: يابن أخي، أخر عني هذه. قال: وأخرى، ترجع إلى بلادك، فإن يك محمد صلى اللّٰه عليه وسلم صادقًا كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذبًا كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تتحدث به نساء قريش أبدًا، كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت، أي فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر وقد جرح أن لا يمس رأسه دهنًا حتى يقتل محمدًا صلى اللّٰه عليه وسلم. قال: فالثالثة ما هي؟ قال: البراز. فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما مكنت أظن أحدًا من العرب يروعني بها. ثم قال له عند طلب المبارزة: لم يابن أخي؟ فواللّٰه ما أحب أن أقتلك. فقال علي كرم اللّٰه وجهه: ولكني واللّٰه أحب أن أقتلك. فحمي عمرو عند ذلك، أي: أخذته الحمية. فقال له علي كرم اللّٰه تعالى وجهه: كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن أنزل معي، فاقتحم عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار، فعقر فرسه وضرب وجهه، وأقبل على علي كرم اللّٰه وجهه، فاستقبله على بدرقته فضربه عمرو فيها فقدّها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه، فضربه علي كرم اللّٰه وجهه على حبل عاتقه أي: وهو موضع الرداء من العنق فسقط وكبر المسلمون. فلما سمع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم التكبير عرف أن عليًا كرم اللّٰه تعالى وجهه قتل عمرًا - لعنه اللّٰه-. 38 وبعث المشركون إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، يشترون جيفة عمرو بن عبد ودّ بعشرة آلاف. فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( هو لكم لا نأكل ثمن الموتى )). 39

الغنائم

استمر الحصار مدة طويلة تقارب شهرًا فتأثر جيش المشركين، وبدأت علائف خيل وإبل القرشيين تنفذ فاستعانوا باليهود فأعانوهم بما طلبوا، غير أن اللّٰه جعلها للمسلمين، ذلك أن أبا سفيان قال لحيي بن أخطب: قد نفدت علافتنا فهل عندكم من علف؟ فقال حيي: نعم مالنا مالك، فأصنع ما رأيت، مر القوم يأتوا بحمولة فيحملوا ما أرادوا، فأرسلوا عشرين بعيرًا، فحملوها شعيرًا وتمرًا وتبنًا، وخرجوا بها إلى قريش حتى إذا كانو بـ"صفنة" وهم يريدون أن يسلكوا "العقيق" قابلوا جمعًا من بني عمرو بن عوف، وهم عشرون رجلًا، فيهم أبو لبابة بن عبد المنذر، وعويم بن ساعدة، ومعن بن عدي، خرجوا لميت لهم مات منهم في حصنهم؛ ليدفنوه، فناهضوا الحمولة وقاتلهم القرشيون ساعةً وكان فيهم ضرار بن الخطاب فمنع الحمولة، ثم جُرح فغلبهم المسلمون وأخذوا الإبل بحمولتها، وانصرفوا بها يقودونها إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بعدما دفنوا ميتهم، فكان أهل الخندق يأكلون منها، فتوسعوا بذلك وأكلوه حتى نفد، ونحروا من تلك الإبل أبعرة الخندق، وبقي منها ما بقي حتى دخلوا به المدينة. 40

الصلوات الفائتة

قد اشتد غضب الكفار بموت عمرو بن عبد ودّ فاتعدوا أن يغدوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم وفرقوا كتائبهم ونحوا إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا من موضعهم ولا صلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ولا أصحابه ظهرا ولا عصرا ولا مغربا ولا عشاء حتى كشفهم اللّٰه فرجعوا متفرقين إلى منازلهم وعسكرهم، وانصرف المسلمون إلى قبة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم . 41 فوجدوا النبي صلى اللّٰه عليه وسلم حزينا ما فات عنه وعن أصحابه من الصلوات فدعا على الكفار حيث قال: (( ملأ اللّٰه قبورهم وأجوافهم نارًا )). 42 ثمّ قام في النّاس خطيبًا، فقال: (( أيّها النّاس: لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا اللّٰه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف )). 43

دور نعيم بن مسعود رضى اللّٰه عنه في فشل الأحزاب

أقام النبىّ صلّى اللّٰه عليه وسلم وأصحابه فيما وصف اللّٰه تعالى من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم واتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم. ثم أن نعيم بن مسعود بن عامر الاشجعى الغطفانى أتى رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّٰه، إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وسلم: (( إنما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا إن إستطعت؛ فإن الحرب خدعة )). فخرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديمًا في الجاهلية، فقال لهم: يا بني قريظة! قد عرفتم ودّي إياكم وخاصةً ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم. فقال لهم: إن قريشًا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد، وقد ظاهرتموهم عليهم وإن قريشًا وغطفان ليسوا كهيئتكم، البلد بلدكم، به أموالكم وأولادكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تحوّلوا إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره، إن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا بعض أشرافهم رهنًا يكونون بأيديكم ثقةً لكم على أن يقاتلوا معكم محمدًا حتى تناجزوه. فقالوا: لقد أشرت برأي ونصح، ثم خرج حتى أتى قريشًا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: يا معشر قريش، قد عرفتم ودّي إياكم وفراقي محمدًا، وقد بلغني أمر رأيت حقًا عليّ أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموا عليّ ما أقول لكم. قالوا: نفعل، قال: اعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل محمد إليهم، أن نعم، فإن بعث إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم لا تدفعوا إليهم منكم رجلًا واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان، أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ فلا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت، قال: فاكتموا علي، قالوا: نفعل، ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم به. 44

فلما كانت ليلة السبت، وكان ذلك من صنع اللّٰه لرسوله صلى اللّٰه عليه وسلم أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤساء غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدًا ونفرغ مما بيننا وبينه. فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لانعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك. فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: واللّٰه، إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا واللّٰه لا ندفع إليكم رجلًا واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصةً انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا واللّٰه لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم، وخذل اللّٰه بينهم. 45 وفي رواية: أن بني قريظة أرسلت لقريش قبل مجيء رسل قريش إليهم رسولًا يقول لهم: ما هذا التواني، والرأي أن تتواعدوا على يوم يكونون معكم فيه؛ لكنهم لا يخرجون حتى ترسلوا إليهم رهنا سبعين رجلا من أشرافكم، فإنهم يخافون إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتموهم، فلم ترد لهم قريش جوابا، وجاءهم نعيم، وقال لهم: كنت عند أبي سفيان، وقد جاءه رسولكم. فقال: لو طلبوا مني عناقًا ما دفعتها لهم، فاختلفت كلمتهم. 46

محاولة غطفان للصلح مع المسلمين

لما اشتد على الناس البلاء فبعث رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك. فلما أراد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعدين - سعد بن معاذ وسعد بن عبادة - فاستشارهما. فقالا له: يا رسول اللّٰه، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك اللّٰه به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: (( بل شيء أصنعه لكم، واللّٰه ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم )). فقال له سعد بن معاذ: يا رسول اللّٰه، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك، ولا يطمعون أن يأكلوا منا تمرةً إلا قرًى أو بيعًا، أفحين أكرمنا اللّٰه بالإسلام، وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، واللّٰه لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم اللّٰه بيننا وبينهم. قال: (( فأنت وذاك )). فأخذ سعد الصحيفة فمحاها، ثم قال: ليجهدوا علينا. 47

هزيمة الأحزاب

لما انهزمت الأحزاب حيث فشلوا في كل محاولاتهم ومبادراتهم فزاد من قلقهم واضطرابهم أن أرسل اللّٰه عليهم ريحا شديدة البرد في ليلة شاتية، فأكفأت القدور، وطرحت الأواني، وقلبت الخيام، وبعث عليهم ملائكة لم تروها وزلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب. ذكر اللّٰه تعالى ذلك في القرآن:

  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا 9 48

وقد أدرك النبي عليه الصلاة والسلام انهزام الأحزاب ورفعهم الحصار، فأراد أن يستطلع على ما يدور فيما بينهم. يقول حذيفة بن اليمان رضي اللّٰه عنه: لقد رأيتنا في الخندق مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في ليلة شديدة البرد، قد اجتمع علينا البرد والجوع والخوف. فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: من رجل ينظر لنا ما فعل القوم جعله اللّٰه رفيقي في الجنة. فقال حذيفة: يشرط له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم الجنة والرجوع، فما قام منا رجل، ثم عاد يقول ذلك ثلاث مرات، وما قام رجل واحد من شدة الجوع والقر والخوف. فلما رأى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ذلك لا يقوم أحد، دعاني فقال: يا حذيفة. قال: فلم أجد بُدًّا من القيام حين فوّه باسمي، فجئته ولقلبي وجبان في صدري، فقال صلى اللّٰه عليه وسلم: (( تسمع كلامي منذ الليلة ولا تقوم؟ )) فقال: لا، والذي بعثك بالحق، إن قدرت على ما بي من الجوع والبرد. فقال: (( اذهب، فانظر ما فعل القوم، ولا ترمين بسهم ولا بحجر، ولا تطعن برمح، ولا تضربن بسيف حتى ترجع إلي )) فقال: يا رسول اللّٰه، ما بي يقتلوني؛ ولكني أخاف أن يمثلوا بي. قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( ليس عليك بأس )) فعرفت أنه لا بأس علي مع كلام رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم الأول. ثم قال: (( اذهب، فادخل في القوم، فانظر ماذا يقولون ؟ )). فلما ولّى حذيفة قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( اللّٰهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته )). فدخل عسكرهم فإذا هم يصطلون على نيرانهم، وإن الريح تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قرارًا ولا بناء. فأقبلت فجلست على نار مع قوم، فقام أبو سفيان فقال: احذروا الجواسيس والعيون، ولينظر كل رجل جليسه. قال، فالتفت إلى عمرو بن العاص فقلت: من أنت؟ وهو عن يميني. فقال: عمرو بن العاص. والتفت إلى معاوية بن أبي سفيان فقلت: من أنت؟ فقال: معاوية بن أبي سفيان. ثم قال أبو سفيان: إنكم واللّٰه لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والكراع، وأجدب الجناب، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، وقد لقينا من الريح ما ترون، واللّٰه، ما يثبت لنا بناء ولا تطمئن لنا قدر، فارتحلوا فإني مرتحل. وقام أبو سفيان، وجلس على بعيره وهو معقول، ثم ضربه فوثب على ثلاث قوائم، فما أطلق عقاله إلا بعد ما قام. ولولا عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلي (( لا تحدث شيئًا حتى تأتي )) ثم شئت، لقتلته. فناداه عكرمة ابن أبي جهل: إنك رأس القوم وقائدهم، تقشع وتترك الناس؟ فاستحيى أبو سفيان فأناخ جمله ونزل عنه، وأخذ بزمامه وهو يقوده. وقال: ارحلوا، قال: فجعل الناس يرتحلون وهو قائم حتى خف العسكر. وذهب حذيفة إلى غطفان فوجدهم قد ارتحلوا، فرجع إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فأخبره. 49

الرجوع إلى المدينة

أصبح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بالخندق، وليس بحضرته أحد من عساكر المشركين، قد هربوا وانقشعوا إلى بلادهم، فأذن للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين مسرورين بذلك، فكره رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أن تعلم بنو قريظة حبّ رجعتهم إلى منازلهم، وكان المنافقون بناحية المدينة يتحدثون بنبي اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم وأصحابه، ويقولون: ما هلكوا بعد، ولم يعلموا بذهاب الأحزاب، وسرّهم أن جاءهم الأحزاب وهم بادون في الأعراب؛ مخافة القتال. واللّٰه سبحانه وتعالى ذكر عن حالهم فقال:

  يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا 20 50

ويذكر في رواية أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم حين أجلى اللّٰه تعالى عنه الأحزاب قال: (( الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم )). فلم تعد قريش بعد ذلك، وكان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يغزوهم بعد ذلك حتى فتح مكة. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول شاكرًا لله تعالى: (( لا إله إلا اللّٰه وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده )). 51

الرد على كتاب أبي سفيان

لقد نال أبو سفيان هزيمة في هذه الحرب، فكتب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام كتابًا يهدده فيه: باسمك اللّٰهم، أحلف باللات والعزى وأساف ونائلة وهبل! لقد سرت إليك أريد استيصالكم، فأراك قد اعتصمت بالخندق، وكرهت لقاءنا، ولك مني يوم كيوم أحد. وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشمي. 52 فكتب إليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: من محمد رسول اللّٰه إلى أبي سفيان بن حرب. (( أما بعد! فقديمًا غرّك باللّٰه الغرور، أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر اللّٰه يحول بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الذي صنعنا من الخندق. فإن اللّٰه تعالى ألهمني ذلك لما أراد من غيظك به وغيظ أصحابك، وليأتين عليك يوم تدافعني بالراح، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات، والعزى، وإساف، ونائلة، وهبل، حتى أذكّرك ذلك )) 53

نتيجة غزوة الأحزاب

إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر، بل كا نت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام، وقد نصر اللّٰه تعالى المسلمين في هذه الغزوة الشاقة حيث جعل النصرة والفوز في حظهم، واستشهد فيها من المسلمين ستة. 54 وقتلوا عشرة 55 من المشركين ما يقال على اختلاف أقوال المحدثين في تحقيق العدد، وذلك في عدة مناوشات ومبارزات.

 


  • 1 أبو بكر محمد بن إسحاق المدني، السيرة النبوية، أبو بكر محمد بن إسحاق المدني، السيرة النبوية، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 392.
  • 2 الشیخ أحمد بن محمد القسطلاني، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج-1، مطبوعة: دارالکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2009م، ص: 242.
  • 3 دروزة محمد عزت، التفسير الحديث، ج-7، مطبوعة: دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، مصر، 1383هـ، ص: 361.
  • 4 أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري، السیرة النبوية، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2009م، ص: 621 – 622.
  • 5 أبو عبد اللّٰه محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج- 4، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 363.
  • 6 القرآن، سورة النساء، 4 : 51- 55.
  • 7 أبو العباس أحمد بن علي المقريزي، إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1999م، ص: 222.
  • 8 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 418.
  • 9 أبو عبد اللّٰه محمد بن أحمد الذهبي، السیرة النبوية من كتاب تاریخ الإسلام، مطبوعة: دار ابن حزم، بیروت، لبنان، 2010م، ص: 433.
  • 10 محمد بن أحمد باشميل، من معارك الاسلام الفاصلة، ج-3، مطبوعة: المکتبة السلفية، القاهرة، مصر، 1408ه، ص: 131- 132.
  • 11 الشیخ حسین بن محمد الدیار بکري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيسﷺ، ج-2، مطبوعة: دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 295.
  • 12 أبو عبد اللّٰه محمد بن إسماعیل البخاري، صحیح البخاري، حدیث: 2837، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزیع، الریاض، السعودية، 1999م، ص: 470.
  • 13 أبو الحسین مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحیح المسلم، حدیث: 1805، مطبوعة: دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، 2000م، ص: 806.
  • 14 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 421.
  • 15 القرآن، سورة الأحزاب، 33 : 12.
  • 16 أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّٰه السهيلي، الروض الأنف في تفسیر السیرة النبوية لابن هشام، ج-3، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2009م، ص: 418.
  • 17 القرآن،سورة النور، 24: 62.
  • 18 القرآن،سورة النور، 24: 63.
  • 19 أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّٰه السهيلي، الروض الأنف في تفسیر السیرة النبوية لابن هشام، ج-3، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2009م، ص: 418.
  • 20 الدكتور عبد المالك، أطلس الغزوات، مطبوعة: مكتبة العرب، كراتشي، باكستان، 2022م، ص: 205.
  • 21 أبو عبد اللّٰه محمد بن أحمد الذهبي، السیرة النبوية من کتاب تاریخ الاسلام، مطبوعة: دارابن حزم، بیروت، لبنان، 2010م، ص: 434- 435.
  • 22 أبو عبد اللّٰه محمد بن یوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد فی سیرة خیر العباد، ج-4، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2013م، ص: 369.
  • 23 أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّٰه السهيلي، الروض الأنف في تفسیر السیرة النبوية لابن هشام، ج-3، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2009م، ص: 421- 422.
  • 24 الشیخ حسین بن محمد الدیار بکري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيسﷺ، ج-2، مطبوعة: دارالکتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 299.
  • 25 محمد بن أحمد باشميل، من معارك الإسلام الفاصلة، ج-3، مطبوعة: المكتبة السلفية، القاهرة، مصر، 1408ه، ص: 155.
  • 26 الجشيش أي: بالجيم المفتوحة والشين المعجمة، وهي البر يطحن غليظًا، ويقال له الدشيش.
  • 27 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 423.
  • 28 الشیخ حسین بن محمد الدیار بکري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيسﷺ، ج-2، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 300
  • 29 القرآن، سورة الأحزاب، 33: 10- 11.
  • 30 القرآن، سورة الأحزاب، 33: 13.
  • 31 أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج-3، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2008م، ص: 403.
  • 32 أبو الربیع سلیمان بن موسی الحمیري، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللّٰه، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2000م، ص: 427.
  • 33 أبو عبد اللّٰه محمد بن یوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سیرة خیر العباد، ج-4، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2013م، ص: 372.
  • 34 أبو عبد اللّٰه محمد بن سعد البصري، الطبقات الکبري، ج-2، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 1990م، ص: 252.
  • 35 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 422- 423.
  • 36 أبو عبد اللّٰه محمد بن عمر الواقدي، المغازي، ج-1، مطبوعة: دارالكتب العلمية، بیروت، لبنان، 2004م، ص: 396.
  • 37 أبو عبد اللّٰه محمد بن عمر الواقدي، المغازي، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بیروت، لبنان، 2004م، ص: 400- 401.
  • 38 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 427- 428.
  • 39 أبو عبد اللّٰه محمد بن یوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سیرة خیر العباد، ج-4، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2013م، ص: 379.
  • 40 أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، مطبوعة: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، لبنان، 2004م، ص: 438- 439.
  • 41 إبراهيم بن محمد المدخلي، مرویات غزوة الخندق، مطبوعة: عمادة البحث العلمی، المدينة المنورة، السعودية، 1424ه، ص: 324- 325.
  • 42 أبو عبد اللّٰه أحمد بن محمد الشیباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، حدیث: 1246، ج-2، مطبوعة: مؤسسة الرسالة، بیروت، لبنان، 2001م، ص: 404.
  • 43 محمد بن عمر بن مبارك الحميري، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، مطبوعة: دارالمنهاج، جدة، السعودية، 1419هـ، ص: 252.
  • 44 الشیخ حسین بن محمد الدیار بکري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيسﷺ، ج-2، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بيروت، لبنان، 2009م، ص: 310- 311.
  • 45 أبو الربیع سلیمان بن موسی الحمیري، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللّٰه، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2000م، ص: 428- 429.
  • 46 أبو الفرج علي بن إبراهيم الحلبي، إنسان العیون في سیرة الأمین المأمون، ج-2، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2013م، ص: 434- 435.
  • 47 أبو عبد اللّٰه محمد بن أحمد الذهبي، السیرة النبوية من كتاب تاریخ الاسلام، مطبوعة: دارابن حزم، بیروت، لبنان، 2010م، ص: 436- 437.
  • 48 القرآن، سورة الأحزاب، 33 : 9.
  • 49 أبو عبد اللّٰه محمد بن عمر الواقدى، المغازى، ج-1، مطبوعة: دارالكتب العلمية، بیروت، لبنان، 2004م، ص: 416- 417.
  • 50 القرآن، سورة الأحزاب، 33: 20.
  • 51 أبو عبد اللّٰه محمد بن یوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سیرة خیر العباد، ج-4، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2013م، ص: 389- 390.
  • 52 أحمد بن يحى البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، ج-1، مطبوعة: دار الفكر، بيروت، لبنان، 1996م، ص: 344.
  • 53 أبو عبد اللّٰه محمد بن عمر الواقدي، المغازي، ج-1، مطبوعة: دار الكتب العلمية، بیروت، لبنان، 2004م، ص: 419.
  • 54 أيضا، ج-1، ص: 421.
  • 55 أبو عبد اللّٰه محمد بن یوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سیرة خیر العباد، ج-4، مطبوعة: دار الکتب العلمية، بیروت، لبنان، 2013م، ص: 390.